هل نستطيع محو الذكريات ؟

الكوابيس التي توقظنا من النوم شبيهة تماما بالفقد الذي يأتينا فجأة، بغتة مع دهشة قد تستمر معك لشهور دون مفارقتك ، تظل حولك هالة الخوف تلك أينما ذهبت تتبعك كظلك تماما و تقترب أحيانا لتشعر بنفس الاحساس الذي أحسست به لحظة استيقاظك ،دقات متسارعة ،قلبك المرتجف، تعرق يداك و تخدر جسمك و الشعور بالخوف الشديد.




الاستيقاظ من كابوس ليس أفضل من البقاء فيه كثيرا، لأنك حين تستيقظ يتلاشى الخوف تدريجيا نعم، و لكن الخوف من إعادة نفس الكابوس و من ملاحقة الكوابيس لك سيلاحقك دائما ، كشبح المفقود، ذاك الكائن الذي غادر حياة كل واحد منا و ظل يلاحقه في كل مكان.
الحقيقة أنه حين يموت شخص ما ليس نحن من نلاحقه بل هم من يتبعوننا، يصبحون في كل مكان و في اللامكان في الوقت ذاته.
مثلا، عند مرورك بحديقة ما قد تخيل لك صورة جدتك أو جدك ، أبيك أو أمك ، ستوضع صورتهما و هما يلعبان معك أمام عيناك. قد لا تكون عايشت تلك اللحظة أبدا و لكنك ستتذكرها..، و كيف لأحد ما أن يتذكر شيئا لم يحدث قط؟
حين يختفي شخص ما من حياتنا تصير كل الذكريات واحدة، تلك التي عشناها و تلك التي كنا نرغب في مشاركتها معهم، و حتى تلك التي كانت ستعاش لولا اختفائهم.


الموت شيء كهذا، يذهب الشخص و لكنه لا يستطيع محوه من الوجود، هذا الأخير الذي لا يعني الجسد و الروح فقط ، إنما قد يتخذ الوجود شكلا آخر ألا و هو الذكرى..
الروح قد تغادر الجسد، الجسد قد يدفن تحت الأرض و يتحلل، لكن الذكرى لا تموت.
يمكن لذاكرتنا أن لا تكون مجدية أحيانا، فننسى ذكرى معينة، و لكنها قد تخلق ذكرى أخرى لم تكن و لم تحصل قط و لكنها شبيهة بالمنسية بدرجة كبيرة.




كلنا سبق لنا و أن رأينا حائطا تقشرت صباغته، و أغلبنا تبعوا فضولهم و لمسوا القشرة الصغيرة الخارجة من مكانها و المتطفلة على الغرفة. أردنا معرفة ما و راء القشرة و لا نلام على ذلك..ماذا اكتشفنا؟ و ماذا حدث بعد لمس القشرة؟ و بعدما جذبنا لطرف ذاك الخيط المتسرب من قميصنا نحونا؟
قد حدث كل شيء لا متناهي ، حتى أن نهايته ليست جميلة على الإطلاق.
نهاية تشبه لحد كبير تلك التي عشناها، نعيشها و سنعيشها في آخر كل ذكرى نتذكرها لنا مع الغائب الذي لا يعود. نهاية مؤلمة، تنشب فينا ذاك الاحساس بالمرارة، الشعور بأن كل شيء أصبح دون معنى فجأة.
إنها من تلك النهايات التي ترى عبرها الحياة بمنظور أكثر تعاسة ، بلون رمادي جاف و ضبابي، كل شيء حزين و غير واضح.

آهات هي تلك التي يحملها كل واحد منا بداخله، شئنا أم أبينا الاعتراف بأننا مكسورون .
لكن الفارق بيننا و بينهم هو كسورنا التي رغما عنها نحن مستمرون في الحياة، من أجلهم و بدونهم. كلنا عايشنا لحظة الضعف تلك، حين تمنينا لو أننا متنا معهم أو بدلا منهم..
لا أدري ما الأسوأ، هل موتهم و بقاءنا أم موتنا و بقاءهم.. و لكنني أدرك تمام الإدراك أننا لو كنا مكانهم سنرغب في استمرارهم في الحياة بشكل أقوى. أعلم الآن أننا و نحن لا نزال نتنفس على سطح هذا الكون يمكننا تغيير شيء من الواقع، الحقيقة بين الموت و الحياة، يمكننا أن نحظى بحياة كانوا سيرغبون بمشاركتنا فيها، و كنا سنرغب في مشاركتهم فيها.



1xbet casino siteleri bahis siteleri