و من أصناف الحياة: صنفان

أذكر جيدا أنها كانت محاضرة في المعاملات المالية، فإذا بالأستاذ الفاضل يستهل شرحه بالحديث عن أسباب فساد البيوع مركزا كلامه على الأجزاء التي تؤخذ من البهائم، أ يجوز بيعها أم لا؟ و لإضاح الحكم الشرعي بخصوص هذا الباب تطرق الأستاذ لذكر نوعين من الحياة، حتى نعطي لكل نوع حكمه الشرعي.
النوع الأول: حياة نمو و اغتذاء
النوع الثاني: حياة حس و حركة إرادية




النوع الأول و الذي هو حياة نمو و اغتذاء، كحياة النباتات والأظافر والشعر… .هذه الأصناف تقتصر في حياتها على الغذاء و النمو الذي يأتي بحكم التركيبة البيولوجية التي خلقها الله عليها دون مجهود يذكر من طرف من يحيا هذا النوع من الحياة. تأملت في هذا النوع من الحياة لأجده حال بعض البشر، تجد الواحد منهم يأكل ينام يدرس و يعمل كآلة مبرمجة، ينموا جسده و هو خاضع لتركيبته الجسدية بمنتهى الإعتيادية، ليتوقف طوله عند حوالي العشرين فتبدأ بطنه بالبروز فبعض الشعيرات البيضاء وبعض التجاعيد، ناهيك عن نصيبه من الأمراض الصحية وقليل من الصمم وقليل من فقدان البصر، في انتظار الموت داعيا من الله عز و جل أن يأتى قبل عجز لن يزيد إلا من ألمه و إتعاب من حوله و إحراج الكل.

النوع الثاني والذي هو حياة حس و حركة إرادية: هو نوع يمتاز بالحس عند ملامسته، يشعر بالأشياء من حوله، يمتلك قرار الحركة لنفسه بنفسه، و هو ما تعرفه أعضاء أجسادنا وأجساد الحيوانات بإختلاف أصنافها، بحيث يكفي أن تفكر في تحريك عضو من أعضائك ليتحرك في الحال، كإرادتك في نقر زر من أزرار لوح المفاتيح الذي أمامك الآن، فكل ما عليك للنقر هو التفكير فالتنفيذ لتجد أن يدك ذاهبة صوب ما أردته و تحركت وفقه بكل دقة.
تأملت في هذا النوع لأجده حال بعض البشر، في حياتهم شيء من الحس يفقهون الكثير مما حولهم إن مسست كرامتهم – و كرامة الغير- تكلموا اندفعوا و دافعوا، صرخوا و ثاروا، يمتلكون حركة إرادية، يفكرون ينتجون، زادهم العلم و الحلم لا يقبلون أي جمود لهم مبادئ و قيم، يسعون لزرع بصمة مهما بدت بسيطة.

و لتفريق بين النوعين ذكر الأستاذ الفاضل أن الوسيلة الأوحد و الأوضح لذلك هي رد الفعل الناتج عن كل منهما بعد أخد جزء منه.
النوع الأول : لا يشعر بالألم في حال أخدت منه جزءا، كحالنا مع شعرنا و أظافرنا… ، فقص الأول و تقليم الثانية لا يؤلم و لا يشعر بأي نقص مهم، و هكذا هم من يحيون حياة نمو و اغتذاء، تجد الواحد منهم و كأنه لا يتألم فهو لا يتكلم لا يسمع لايثور و كأنه جماد، يأخذون جزءا من كرامته و يبقى صامتا، يأخذون جزءا من حريته و يبقى صامتا، جزءا من وطنه جزءا من أحلامه أو كلها، جزءا من أمنياته من ذاته و أهدافه… ،فتجتمع الأجزاء كلها ليأخذوا أغلب حياته أو حياته كلها، و هو لازال صامتا غير مكترث. استسلامه هذا لا يؤدي إلا إلى مبالغتهم في أخذ أجزاء أخرى فهو راضي و جامد ينموا و يتغذى فقط بدون أي ردود أفعال تثبت وجوده و إرادته.





النوع الثاني: يشعر و يتألم أن أخدت منه جزءا كحال اليد أو القدم و سائر الأعضاء الحية فينا، جرب قرص كفك الآن، أكيد ستؤلمك ألمك سيدفعك لتوقف عن فعلك أو عن فكرة بثرها، لن تتحمل الألم و لن تستطيع التخلي عن خدماتها، ببساطة لأنها تثور تتحرك بإرادة فارضة عليك إحتياجك لها، و هكذا هم من يحيون حياة حس و حركة إرادية، نحتاجهم نحتاج خدماتهم و قوة إرادتهم نكتسب منهم الكثير، نلتمس منهم العدوى الطيبة نجد فيهم ما يثبت عزيمتنا نجد فيهم شيء يدعوا للحياة، ببساطة لأنهم أحياء يتألم الواحد منهم إن حاولت المساس بجزء منه كيفما كان: وطن كرامة، حرية، دين، حلم، مبدأ… ،يحسون و بكل إرادتهم يتحركون.

بعد عودتي للمنزل تمعنت في النوعين لأسال نفسي أي حياة أحياها أنا و أي حياة يحياها ذاك السرب الذي أراه كل يوم في طريق الكلية و في الحافلات؟ أضف لهم العاملين و ربات البيوت و كل أصحاب تلك الخطى السريعة و الأصوات المرتفعة منذ بدأ الصباح حتى نهاية اليوم. من منا يحيا حياة نمو و اغتذاء و من منا يحيا حياة حس و حركة إرادية؟ و أي حياة هي التي أحيا أنا؟ و أي حياة ينبغي لي أن احياها؟.

1xbet casino siteleri bahis siteleri