زوال أبدي

غالبا ما يتعامل المرء مع كل ما هو متواجد بشكل دائم على أنه نعمة أزلية لن تنضب أبدا، لكن للواقع كلمة أخرى، فبين ليلة وضحاها قد تختفي إحدى نعمك الأبدية. نبدأ أولا بكل ما هو جماد، أي بدون مشاعر وأحاسيس، تجد أغلبنا يبذر الماء، يضيع الطعام ويتأفف عن جل ما هو موجود أمام ناظريه طيلة الوقت…لكن الحياة تؤدبنا بين الفينة والأخرى، بانقطاع بسيط أو حتى تهديد بالزوال، لكننا كبشر ومن طبيعتنا نتأثر لبضع ساعات أو حتى أيام فقط، قبل أن نعود لما كنا عليه مسبقا، من تصرفات طائشة تجاه هاته الموارد الضرورية لعيشنا، بل ومنا من تسوء أخلاقه جراء هذا الدرس القاسي، فتجده صار أكثر جشعا وقسوة.

لا ننكر أبدا أن هناك من يعي الدرس بسرعة البرق ويستوعبه، ليترجم ذلك على سلوكياته وأفكاره بحيث يصير أكثر رفقا وانضباطا من ذي قبل. إلا أننا في الحقيقة نحن البشر لا نحسن التعامل مع الأشياء فما بالك بالأشخاص، نقسو مرة، نصرخ في وجه هذا ونوبخ ذاك. وغالبا ما نتجنب التعبير عن مشاعرنا الدفينة تجاه أقرب الناس إلينا تحت ذريعة الخجل والثقة بمعرفة الغير القبلية لمكانته في قلوبنا، الشيء الذي يجعل مشاعرنا مجمدة دائما.

بالإضافة إلى هذا، يلاحظ غياب شبه تام للحوار بين أفراد الوسط الواحد إلا للضرورة: كالأسئلة النمطية عن الحال والأحوال، حيث تكون الإجابة سطحية غالبا، فلا أحد يعبر عن وضعيته بكل ثقة ومصداقية. كما يمكن أن يصير الآخرون منبعا للحوار وأرضية خصبة للنقاش، فالإنسان عالم خبير حينما يتعلق الأمر بالغير.

مقالات مرتبطة

أحيانا، نتعامل بأنانية شديدة يعلوها شيء من القسوة، خاصة حينما يتعلق الأمر بمصالحنا، بغض النظر عن مكانة الآخر في سلمنا الاجتماعي، فالأنا دائما يستعمر المرتبة الأولى مهما كانت علاقتنا بالغير سامية ونبيلة، حيث يتحول البشري فجأة إلى كائن مفترس ما إن تخدش إحدى أولوياته.

حينما يتعلق الأمر بالعائلة والأقرباء، فالناس أصناف كثيرة ومتنوعة، منهم من يحسن التعامل ويكرم الجميع، ومنهم من يعتمد الوسطية والاعتدال في جل تصرفاته، بينما نجد هنالك المحايدين الذي يضعون الجميع في مرتبة واحدة فلا فرق لديهم بين القريب والبعيد، ناهيك عن بعض الشحيحين تعاملا وأخلاقا.

لكن هل تساءل أحدنا يوما عن نصيبه من الندم تجاه أحد أقربائه بعد أن اختفى فجأة، هل سيكون راضيا تمام الرضا عن تصرفاته وطبيعة علاقته معه؟ أم أنه سيتمنى لو كان هناك تواصلا أعمق وعطفا أكثر. فما إن يغادرنا أحدهم سواء بصفة مؤقتة أو أبدية، حتى يجتاحنا شلال من الندم والحسرة عن كل ثانية أهدرناها دون التعبير عن مشاعرنا والعناية بأقاربنا، فجأة نصير أكثر حساسية، بمشاعر منهارة وهشة، لا نخجل من إظهار ضعفنا أمام الجميع مترجمين تقصيرنا لنهر من الدموع المنجرفة مصحوبة بسيل من الغضب والتصرفات الغريبة. ندم يجعل الواحد منا يساوم دقيقة من الماضي بلؤلؤ الدنيا وذهبها لكن هيهات هيهات.

أنا وأنت، من اليوم ومن هذه اللحظة، دعنا نقطع عهدا على أنفسنا بأن نتعلم درسا في الحياة وننزله على أرضية واقعنا مترجما لتصرفات وسلوكيات عقلانية تجاه أقاربنا وأعز الناس إلينا، مرورا بكل ما يتواجد في محيطنا بأشخاص وأشياء، ظنناهم يوما ما أنهم خالدين إلى الأبد.

1xbet casino siteleri bahis siteleri