تاريخ الاستعمار عبر العصور يظل مفهومه الراسخ منضويا تحت لواء كل ما هو عسكري لتحصيل ما هو اقتصادي، لكن هذا منظور كلاسيكي كان صالحا قبل ربع قرن من اليوم؛ ففي زمن ترفع فيه أصوات القوى العالمية للتنديد بالعبودية وخرق أنظمة حقوق الإنسان، وفرض عقوبات في هذا الإطار على دول ضعيفة، فقط لأنها تحافظ على مرجعياتها وثوابتها، بعذر أنها تخرق ميثاق حقوق الإنسان.
لكن حقيقة الأمر كل ما يجري في الساحة الدولية ليس سوى رؤية رسمت قبل سنوات من الآن من لدن من يرتدي قناع إصلاح الأوضاع في دول أقل ما يقال عنها أنها عالم ثالث، وبالتأسيس على عصر السرعة وانتقال المعلومة من أقصى شمال العالم إلى أقصى جنوبه في أقل من ثانية.
يمكن القول إننا بصدد مواجهة استعمار لا يقل خطورة عن الاحتلال العسكري، هنا نتكلم عن الاستعمار الفكري الذي أصبح يؤتي أكله على أجيال، ذنبها الوحيد أنها امتلكت جهازا وربطا بشبكة الأنترنت، في محاولة لطمس كل ما له علاقة بالهوية الإسلامية، يقينا منهم أن تحالف المسلمين من شأنه تحويل الكفة العسكرية والاقتصادية من الغرب إلى اتحاد المسلمين.
وهنا نستحظر ماذا صنع التحالف الإسلامي تحت قيادة العثمانيين بالعالم الغربي؛ اليوم كل أبناء المسلمين مستهدفون فكريا وثقافيا أكثر من أي شيء آخر، عبر وضع قوالب لمفاهيم أدنى وصف لها أنها شنيعة، هنا أقصد أشياء إباحتها تعني الحكم بالإبادة الجماعية على البشرية، لا من خلال إلقاء قنبلة نووية أو فسفورية، بل عن طريق تحويل الإنسان إلى ربوتات متحركة، تستخدم وفق أنظمة خاصة، فمن يصلح سيلحق بركب هجرة الأدمغة، ومن لا يصلح سيتم زرع محيطه بكل أشكال البذور الفاسدة، وبالتالي ظهور مدمني المخدرات، وممتهني الدعارة، والشواذ جنسيا، كل هذا مغلف بمصطلح الحريات الفردية، شئنا أم أبينا فهذا واقع لم ينج منه سوى قلة قليلة ممن كانت الحصانة التربوية بمثابة مصفاة فكرية لهم، بهم تسير هذه الأمة ، و بهم سيتم تكوين أجيال المستقبل …