قد تأخذنا الحياة لمنعرج وعر لا نحن بآخذيه عن هوى ولا هو بالاختيار الصائب بعد مفترق طرق الأحداث، قد يحكي اللسان ما لا يطيق القلب النطق به، وأحيانا قد تتفوه القلوب بما لا تقوى الألسن على التفكير به، هكذا هي الحياة، في حين أن الكل موقن أن اللسان مرسال القلب يتضح أن لكل منهم رأي ومشاعر مختلفة عن الثاني.
نعيش كل يوم ونحن ننتظر اليوم الموالي بين أمل في تغير الحال وشوق للقاء عزيز ورغبة في التمرد أو الانسحاب من كل ما يعكر صفو الحياة. لكن، ضمن كل هاته الأمنيات لا ننظر لعيون هذا اليوم، لا نأبه بمحاولاته لمس جروحنا وجعلنا نراه ونلاحظ مروره، عسى الناظر يرى نفسه بين ثوانيه ويلمح انسياب حياته من بين أصابعه دون تدارك. نعيش الغد على حساب اليوم، ننتظر ولادة ما نأمل به ونحن نقف على رفاة اليوم الذي يفني عمره محاولا لفت انتباهنا، فلا نحن ممن أحب يومه وعاش بين أحضانه، ولا نحن ممن لامس ما يتمناه في غده وهنِي به.
نعم يا سادة، هذا طبعنا البشري الجاحد، نريد ونريد ونريد ولا أحد منا يرى ما ينساب بين أصابع يده من أيام وفرص، ولا أحد منا يضمن أن غده القريب آت سواء بما يشاء أو لا… متعة الحياة وحلاوتها أن يكون دائما لغدك أحلام وآمال. لكن عيش الغد على حساب اليوم سوف ينخر داخلك وزمنك.
عش كل لحظة على أنها أسعد لحظاتك فقد تكون كذلك ومن يدري ما يأتي بعدها. هل يكون الأسعد أم الأتعس، يكفيك أن تكون عشته ورأيت جمال داخله وحمدت ربك عليه على أن يمر من عمرك وأنت تتمنى لو عشته، وتقول لو أن لي حكمة اليوم وأيام الماضي، عش اللحظة واترك الباقي على الله، فالله خلقك لتعبده لا لتدبر حياتك وهو يغنيك عن ذلك.
مررت من هنا فقلت كلمات أتمنى أن يسمعها داخلي ويعمل بها، فأحيانا حين نتكمل بصوت مرتفع أو نكتب ما تمليه علينا القلوب، ونقرأه بصوت مرتفع نتمعنه أكثر ونصدقه أكثر.