سلالات الكوفيد في مواجهة مع الوعي!

وأنت تهم بولوج محطة القطار ستحس بأنك عبرت بوابة زمنية سافرت بك إلى أي تاريخ قبل مارس 2020، الكمامة الطبية التي رافقتنا لأشهر كأنها بدأت تختفي تدريجيا من المفكرة الشعبية، وكان لرفع الحجر الصحي مفعول رفع الحصار على مواطنين اختلف سلوكهم كثيرا عن عصر ما قبل الكوفيد.

أستشعر في أحيان كثيرة على مضض تمردا جماعيا على كل ما له علاقة بالتدابير الصحية، أما الأزمة الاقتصادية التي رافقت الجائحة خلقت علاقة عداوة بين الأفراد والفيروس بموازين قوى مختلة، اختلط فيها التضرر من توابع الأشهر العجاف بالاعتقاد أن الاحتياط إذعان لأزمة غيرت الكثير من معالم البشرية.

أتذكر بكثير من التمعن أيام الإعلان عن أولى الحالات في المغرب، وكيف تفاعل المجتمع مع الموضوع بسلوكيات مثلت انعكاسا للطبقات مع تعدد أسس التصنيف والتقسيم، فبين التسابق على تخزين الياغورت وورق المرحاض والتدافع على اقتناء الكمامات ومستلزمات التعقيم، تموقع في القطب الآخر فيلق التكذيب والتشكيك والتحليل السياسي والجيواستراتيجي السابق لأوانه حد الاعتقاد بالوصول لخوارزميات مبدأ ومنتهى الكورونا في نسختها المستجدة. وبين هذا وذاك، نالت السياسة الاستباقية للدولة رغم كل التبخيس نالت الاحترام لكنها لم تستطع اخفاء الكثير من الارتباك خاصة على المستوى التواصلي الذي بلغنا فيه حد اليقين أننا قد أغفلنا لقرون قيمة الرسالة وأهمية الاسلوب.

بين أيام الاصطفاف أمام التلفاز كل مساء للاستماع لحصيلة الإصابات وحالة اللامبالاة الشعبية التي وصلنا إليها اليوم، يطرح أكثر من سؤال، فالوباء لا زال متواجدا بيننا ولا زال يحصد الأرواح، والمناعة الجماعية التي حققناها ليست ضد السارس-كوف بقدر ما هي ضد الوعي بخطورته خاصة على الفئات الهشة.

نعم، لقد تمكنا إلى حد كبير من احتواء كارثة أخطر، ولا شك أن موقعنا اليوم في سباق التلقيح فيه مؤشرات مهمة عن الإيقاع المتسارع الذي يتحرك به المغرب على العديد من الأصعدة، رغم بعض النواقص التي تكون في غالب الأحيان ضمن نطاق يمكن تجاوزه بقليل من الحكمة والحكامة. لكن ما نخشاه فعلا هو أن تستمر بعض السلوكيات في الاستفحال وينعكس تأثيرها على أكثر من صعيد، فليس من الممكن بتاتا أن نتقبل النزعة الأنانية التي يتعامل بها البعض مع مشاكل فيها ضرر لنا جميعا، ومن غير المعقول أو المقبول أن تحاول فئة فرض أفكارها على الجميع؛ أولئك الذين يستشهدون بكل شيء غير الحجة والبرهان خلقوا توجها جماعيا يبحث عن سند لمشروعيته في نظرية المؤامرة والمخططات الآتية من كل مكان، والتي تم كشف أسرارها بهذه السهولة تبدو سببا مقنعا للكثيرين لكي يتمردوا على الكمامة والتباعد الاجتماعي والنظافة المستمرة والتعقيم.

عندما نتحدث بمحيد عن البعد الاقتصادي والتوابع المرهقة التي خلفها الفيروس، نجد أن مواجهته كانت تتطلب جانبا من الوعي تفوق فيه الآسيويون عن باقي العالم، أساسه لم يكن أبدا علما بقدر ما كان تربية على حب الوطن والانخراط في كل ما فيه مصلحة جماعية وحماية لاستقرار البلاد والعباد.

سنخرج من الأزمة بحول الله والبلاد سائرة بخطى ثابتة نحو الانفراج لكن علينا أن نعيد النظر في العديد من الاستراتيجيات التعليمية والتربوية رأبا للصدع وحماية الأجيال المقبلة من فيروس الجهل وغياب استقلالية الرأي، ثم نتوقف في لحظة مفصلية لإعادة الاعتبار للتواصل الذي أهملناه فأهملنا. وإلى هنا فقط، قد نستطيع تجنب أن يذهب الكوفيد تاركا وراءه سلالات متحورة تصيب العقل والقلب بدل الرئة والجيوب الأنفية.

1xbet casino siteleri bahis siteleri