رمضان شهر عظيم، فهل أعددت له خطة؟

عشت رمضانات عدة، وكلما أوشك أن يهل علينا هلال رمضان أَزداد يقينا أن لهذا الشهر شأنا عظيما، وفي ذلك قول رسول الله ﷺ: «إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن، وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، وينادي مناد يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة.» فلا شك أن ريح الجنة ونداء المنادي يكون له وقع على فطرتنا، فترى عصاة يكفون وأناسا يتوبون ومبادرات تزيد وقلوبا تلين.

لا أنسى كلام أحد الدعاة وهو يُحدثنا في إحدى دروسه: “رمضان أقوى مؤثر وداعية، انظر كم تمتلئ المساجد وكم تكثر الأُعطيات، فلا تجد هذا الأثر عند أقوى المؤثرين في العالم أو من لهم ملايين المتتبعين.” فهو شهر عظيم لا يتحكم فيه ملوك الأرض ولا أرباب المال والأعمال، هو شهر الله المُعظم. يقولون إن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، ومنه يمكن القول إن تعاملنا مع أي أمر إنما هو نتيجة تصورنا له، وهذا ما يجعل أثر رمضان يختلف وتختلف عاداته وأيامه وبرامجه من شخص لآخر. فكان لا بد أولا أن نفهم ما هو رمضان؟ وليكون لنا تصور صائب عنه، فإن السبيل المختصر لذلك هو كتاب الله عز وجل، وببحث يسير نجد أن كلمة رمضان وردت في القرآن مرة واحدة: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: 185]. أما في السنة البيان، فعن واثلة بن الأسقع- رضي الله عنه- أن رسول الله ﷺ قال: «أُنزِلَت صحُفُ إبراهيمَ أولَ ليلةٍ من رمضانَ، وأُنزلَت التوراةُ لستٍّ مَضَين من رمضانَ، وأُنزِلَ الإنجيلُ لثلاثِ عشرةَ ليلةً خلَتْ من رمضانَ، وأُنزلَ الزَّبورُ لثمانِ عشرةَ خلَتْ من رمضانَ، وأُنزِلَ القرآنُ لأربعٍ وعشرين خلَتْ من رمضانَ.»

يمكن أن نقول إن رمضان شهر تاريخي كوني لتخليد ذكرى نزول الوحي؛ رمضان احتفال وفرح بهذا الكلام والمادة العجيبة. لكن، نجد في محيطنا ومما علِق في تصوراتنا أن رمضان شهر الصوم والصدقة والخيرات والغفران…كل هذا حق، لكن، أليس مراد الله تعالى أن وضع لنا شهرا في السنة، 30 يوما متتابعة، ليحدث لنا الاتصال بوحيه وكلامه؟ لنتصل بما تحتاجه الروح، بما يحيي القلب ويجعله يتزود ويهتدي، فإذا صلح القلب صلح كل شيء فينا.

أعتقد أن مدار أعمالنا واجتهادنا خلال رمضان وجب أن يكون القرآن، مع الاجتهاد في أعمال الخير الأخرى ما استطعنا، ثم إن عبد الله بن عباس يهدينا وصفا جميلا لحال الرسول القدوة خلال رمضان، فيقول: «كان رسول الله ﷺ أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله ﷺ أجود بالخير من الرّيح المرسلة.» فكأن رسول الله يزداد جودا فرحا بأمران: لقاء أمين الوحي جبريل عليه السلام وتدارس القرآن معه.

بما أنه أيام معدودات، فمن البديهي أن يكون السؤال كيف أغتنمه إذن؟ أقول إنه وجب أن أستعمل الطريقة التي نعتمدها في إنجاز المشاريع: وضع الأهداف والعزائم ثم وضع تلك الأهداف في سلم الأولويات ثم وضعها في خطة زمنية مع حماية الأهداف من المخاطر الممكنة.

مقالات مرتبطة

1. العزائم وسلم الأولويات: أن أكتب (استعمال القلم مهم جدا) تلك العزائم التي تهفو نفسي إليها وأضعها وفق سلم الأولويات: -التركيز على الأمور المهمة أولا وليس الهوامش، وعن نفسي، الأمر المهم في رمضان هو تجربتي مع القرآن.
-اختيار العزائم المناسبة وليس كل ما يصلني عبر وسائل التواصل، فكلٌّ أدرى بنفسه؛ هناك من ينتظر رمضان ليتذوق قيام الليل بالقرآن، وهناك من تتشوق نفسه لفهم سورة يحبها، وهناك من يطمع أن يهجر عادة تقض مضجعه، أو من يرغب في إصلاح علاقته بمحيطه.
-أن تكون العزائم واضحة وتناسب قدراتي، لأن رمضان ليس شهرا سحريا سيُصلح فيَّ كل شيء في لمح البصر. (مثلا: قبل رمضان لا أتلو القرآن إلا نادرا، في رمضان أبدأ بتلاوة نصف حزب ثم أزيد يوما بعد يوم).

2. العزائم في الخطة: الخطة هي وضع تلك العزائم المرتبة حسب الأولويات في جدول زمني يشمل كل أيام رمضان بأيامه ولياليه.
-التركيز وعدم تفويت الأوقات المهمة (مثل السحر وقبيل الإفطار وأوقات النشاط والإقبال).
-وضع خطة تصاعدية؛ أن تكون البدايات خفيفة ثم يزداد الاجتهاد حتى يكون في ذروته خلال العشر الأواخر.
-المرونة التي تمكننا من التنازل عن بعض الأمور لما هو أهم.
-تجنب الفراغ الكثير رغم أن النفس دائما تميل إلى الرغبة في الراحة، ذلك أن الفراغ عامة يعمر بأعمال غير مهمة ويترتب على ذلك نوع من الحسرة.

3. حماية الأهداف من المخاطر الممكنة: استفدت كثيرا في هذا الأمر من فقرات من كتاب ‘الذين لم يولدوا بعد’ لكاتبه أحمد خيري العمري. وإننا نلاحظ بعض الفتور في رمضان أو ما يمكن أن نسميه ‘اصطدام الأحلام بالواقع’، ومن المخاطر التي قد تفسد علينا شهرنا:
-البطن، وما يدور في فلكها من تسوق وإسراف وتفنن في الأطعمة والأشربة، ونتيجة ذلك من ضياع الأوقات وثقل البطن على حساب اجتهاد الروح (أنظر أيضا مقالة ‘رمضان بين الجود والإسراف’ للدكتور أحمد الريسوني).
-العين، وقد كثرت المواد الإعلامية المستهلكة النافع منها وغير النافع. وبالتجربة المحتوى الفارغ والتافه يهوي بالعزائم ويفشلها ويذهب بالتركيز.
-بعض الإخفاقات في العزائم أو الأهداف المنشودة قد يتسبب في الوهن والفتور، وهذا من سنة الحياة والله يريد منا بذل الوسع ومجاهدة النفس لأنه سبيل تزكيتها.

وقد قال الزيت للماء: “أنت تجري في رضراض الأنهار على طلب السلامة، أما أنا فإني صبرت على الطحن والعصر، وبالصبر يرتفع القدر”. وختاما، إن رمضان من أجَلِّ وأروع وأنجع الدورات والمعسكرات التدريبية، فلنكن فيه من المجتهدين الغانمين، هذا جهد والسداد من الله، أفكار، الغرض مشاركتها وتجويدها، فإن كانت مفيدة فخيرا وإلا فلطفا أن تصوب.

1xbet casino siteleri bahis siteleri