قراءة في رواية غربة الياسمين لخولة حمدي
رواية غربة الياسمين من 407 صفحة للدكتورة التونسية خولة حمدي، كاتبة شابة معاصرة حاصلة على الدكتوراه في تخصص بحوث العمليات، تعمل أستاذة جامعية في تقنية المعلومات بجامعة الملك سعود في الرياض، تهتم في كتاباتها بالقضايا الإسلامية وتَصارع الأديان، بدا ذلك واضحا في كل رواياتها، وهذه الرواية خير مثال على ذلك؛ إذ تسلط الضوء في رواية غربة الياسمين على الواقع الذي يعيشه المسلمون في الغرب وكيفية تفاعلهم مع الظروف والتحديات التي يواجهونها.
تناقش الرواية المعاناة التي يتعرض لها المسلمون في بلاد الغرب من ظلم واضطهاد وعنصرية، كما تذكر تفاصيل أزمة رفض بلاد الغرب للحجاب، والمعاناة التي تتلقاها الفتيات المحجبات خصوصا في فرنسا التي تعتبر رمزا للعنصرية ضد الحجاب “حينها عرفت من المطبات ما يكفي لتدرك أي حرب شعواء تنتظرها؛ حيث تختار لباسا ساترا في بلد يعلي من حرية المرأة في التجرد من ثيابها.”
تتميز الكاتبة بقدرتها الرائعة على التسلسل بالأحداث وربط الشخصيات ببعضها رغم التباعد الحاصل بينهما، ولكن حياكتها القوية تجعلها قادرة على توصيلهم إلى نقطة واحدة. ففي البداية تركز الكاتبة على كل شخصية على حدة لتصف ملامحها وظروفها وخلفياتها الفكرية والأسباب التي دفعتها للهجرة، ثم بعد ذلك تتقاطع سبلهم في وسط الرواية وتتشابك مصائرهم، ولعل أبرز الشخصيات الرئيسة في الرواية بالإضافة إلى مجموعة من الشخصيات التي ستكتشفها بقراءتك لها؛ ياسمين الفتاة التونسية طالبة دكتوراه في العلوم الاجتماعية تهاجر إلى فرنسا لمتابعة دراستها وهناك تصطدم بالواقع العنصري، لتشعر بأنها غريبة ومنبوذة بسبب حجابها ومبادئها ومعتقداتها الدينية. “كان عليها أن تقاتل كل يوم من أجل حقها في درء شعرها عن الأعين”.
تنتقل ياسمين للعيش عند رنيم وهي محامية شابة مصرية الجنسية تعيش التحرر من التقاليد والتعاليم الإسلامية، رغم الاختلاف بين رنيم وياسمين فقد جعلتها من ذلك رابطا للمودة بينهما. رنيم هي الأخرى تواجه صراعا بين الهوية والعقيدة؛ إذ تسعى إلى الاندماج داخل المجتمع الفرنسي المتحرر بحجة العيش بسلام، وتواجهها عدة تحديات أثناء الرواية. هنا أيضا عمر من المغرب مقيم في فرنسا لأجل العمل، عمر دكتور في شركة للكيميائيات شاب مسلم ملتزم يلتقي ياسمين في المترو فتتقاطع أفكارهما كثيرا بداية بحبهم للقراءة فيعجبا ببعضهم البعض. تحاك ضد عمر مؤامرة للزج به في السجن بتهمة تفجير إرهابي، هنا حيت تتكلف رنيم بالدفاع عنه ومحاولة تبرئته من التهمة.
إن أكثر ما أعجبني في الرواية لمسة الواقعية؛ فلم تجعل الكاتبة البطلة إنسانة خارقة قادرة على قلب الموازين وإنما شخصا عاديا قد يضعف ويغير مبادءه أحيانا. ونظرا لأهمية موضوع الرواية فقد حققت قبولا واسعا بين القراء وأشاد بها كثيرون، وذلك بفضل أسلوب الكاتبة المميز بسرده الهادئ والمتناغم وعمق الأهداف والمواضيع المطروحة، حيث تجذبك الرواية من الوهلة الأولى لتلتهم صفحاتها منتشيا بالمزيد.