فترة السبات

سواء كان الإنسان إيجابيا وصاحب نظرة متفائلة للحياة، أو متشائما يرى كل شيء بمنظور سلبي، أو شخص حكيم يوازن بين الأمرين، قد تأتي عليه فترة يحس فيها بنفاذ طاقته، فيدخل في سبات طويل يأتي هذا الإحساس بشكل غريب جدا، يستشعر فيه المرء الغربة والبعد عن ذاته، وكأن مسافات كبيرة أصبحت بينهما، مسافات تزداد وتكبر كل يوم من هذا السبات، وكأنها تتغذى عليه، في هذه الفترة قد يلاحظ البعض من محيطه تغيره، فتختلف التحليلات حسب نوع كل علاقة، وتبدأ التحقيقات بين من يطالب بتفسير ومن يطالب بتبرير لما يحصل، لكن هذا الشخص غارق في سباته لا يملك جوابا ولا تبريرا لأي أحد، كل ما يتطور داخله هو ميله للعزلة محاولا فهم ما يحدث لكنه يتفاجأ بتضخم الشعور بالوحدة والفراغ داخله.

وبعد مدة معينة يستيقظ ليجد أن أشهرا أو عاما أو عامين أو أكثر قد مروا! ومروا عليه كأنهم يوم واحد فيحس بالهلع والذعر ولا يستوعب عقله كيف مر كل هذا الوقت وهو غير مدرك له، يكتشف في وقت متأخر أنه قد خسر الكثير من الأشياء أو ربما خسر كل شيء كبعض العادات، هوايات كان يحبها، مهارات كان يتقنها، وأشخاص كانوا يحاولون إيقاظه من سباته حتى أصابهم اليأس ورحلوا محملين بالخيبة، وغيرها من الخسارات مع وجود خسارات يصعب تعويضها هذا إذا لم نقل إنها لا تعوض أبدا.

وعند الاستيقاظ من هذا السبات ينقسم الناس لفريقين، الفريق الأول يرى أنه قد أصبح بلا شيء، وأن إعادة البناء والإصلاح صعبة جدا وشبه مستحيلة، قد يحاول مرة واحدة فيفشل ويقرر اختيار الطريق السهل، وهو العودة لسباته وهذه المرة مع التعبير عن سخطه عن كل ما حوله من ظروف وعن نفسه لا يفوت فرصة ليعلق ذنب ما هو عليه على كتف أي شيء سواء أشخاص أو ظروف.

أما الفريق الثاني فيتحكم في ذعره ويستعيد رباطة جأشه وهو ليس بالأمر الهين أبدا، ثم يقرر البدء من جديد وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وفي هذه الحالة لن تكون الرحلة سهلة سيواجه العديد من الإخفاقات أمام نفسه أولا، سيخيب ظنه عدة مرات، سيحاول بشدة التغلب عن شعوره بالعجز القاتل وعن التساؤلات التي تجول في ذهنه كيف سأبدأ؟ ومن أين؟ وغيرها من الأسئلة المرهقة وغير المشجعة البتة.

لكن، رغم هذا يصر على استعادة طاقته وإرجاع حيويته، يبدأ في تبني عادات صحية بشكل بسيط، ثم يعود لممارسة هواياته القديمة، وأيضا يخرج من عزلته قليلا يحيي علاقات قديمة ويبني أخرى جديدة وهو يحاول جاهدا عدم تكرار نفس الأخطاء، وتوظيف الدروس التي أخذها من تجربته جيدا، وإن كان محظوظا سيكرمه الله بشخص يأخذ بيده شخص يرافقه في كل هذه الرحلة حتى نهايتها يشاركه لحظات الضعف والحيرة، كما يكون متواجدا في رحلة التغيير يثبت خطاه ويحثه على المضي قدما، هذا الشخص لسبب ما لا يفقد فيك الأمل حيث تفقده في نفسك ولا يتركك حيث ترى أنك تستحق ذلك فعلا، وكما ذكرت هذا النوع من الأشخاص لا يبعث إلا للمحظوظين كهدية ربانية يكافؤه بها الله على ما في قلبه من عزم، وهكذا خطوة بخطوة يجد نفسه قد خرج من الهالة المظلمة التي أمضى فيها فترة سباته إلى نور كبير. وهذه المرة بنسخة ناضجة منه وأكثر قوة وثباتا وحكمة، لم يعد كما كان لكنه أصبح أحسن من ذلك بكثير.

وللإشارة من استسلم واختار أن يكون في الفريق الأول يبقى باب التغيير مفتوحا دائما في وجهه يستلزم منه الخطوة الأولى فقط، وهي أن يعي بأنه لا أحد قادر على مساعدته واتخاذ القرار الحاسم سواه، حتى لو تجمعت جهود كل من يعرفهم ليجعلوه ينهض لن يجدي ذلك نفعا إن لم تكن هناك رغبة نابعه من اعماقه في التحسن والتغير نحو الأفضل.

 

1xbet casino siteleri bahis siteleri