مواجهة الذكريات

أفتتح ذكرياتي جميعها، أرتبها بهدوء تام، أضع التواريخ حولها، أجمعها مرة أخرى وأحصرها بمكان بعيد عن ذاكرتي وأصرفها عني قدر المستطاع، ومع أسفي بعد ذلك أجدها تتبعثر أمامي وتواجهني عند كُل منعطف وتغيير وظرف أُقابله، وكأن ذاكرتي وصمت هذه الأحداث وجعلتها جزءا مني عند كل واقعة، وأنا أظن أن الكثير من الأشخاص على هذا الكوكب يصارع نفسه عند نفس هذه المعضلة أيضاً فيفكر كثيراً ويواجه الماضي أكثر من شعوره بالحاضر، لينقل روحه إلى حقبة زمنية قد مرت ليصارع نفسه هناك ويلومها عند الكثير من الأحداث المغلفة بالألم.

يتخيل نفسه يعدل ويحسن العديد من الأمور ويحدث فروقا واسعة وشاسعة، مع أنه يعلم علم اليقين أنه لا يوجد واقع يربط حاضره بتلك التعديلات سوى الحسرة وضياع الكثير من الفرص في حياته الحالية من أجل جلد ذاته والتفكير بالماضي ولوم الآخرين، وبالتالي يشعر الشخص أن الأمر كالمرض فيجد نفسه وماضيه وذكرياته تتمحور حوله وتواجهه بكُل خطوة يريد أن يتجه بها نحو الأمام ولا يعلم ما السبيل المتبع ليخرج نفسه من تلك القوقعة التي وضع ذاته بها، رغم أن الحل بين يديه لكنه لا يريد أن يقف مع نفسه قليلاً ليتصالح مع طبيعة البشر التي تخطئ، كما قال الإمام علي بن أبي طالب:

دَواؤُكَ فيكَ وَما تُبصِرُ *** وَدَاؤُكَ مِنكَ وَما تَشعُرُ

فعلى الإنسان أن يدرك أن الطريق إلى الشفاء بيده، وعليه أن يدرك أيضا أنه إلى جانب صراعاته مع نفسه ووجوده في الزمن الحالي الذي يتناساه بكثير من المرات ويهمله، فإنه ينسى أيضا أن هذا “الحاضر” يوما ما سوف يتراكم ليكون جزءًا من الماضي الذي سوف يبكي عليه أيضا، فنكون قد علمنا القيمة الحقيقة للواقع “الحاضر” ولكن بعد فوات الأوان، وهنا ننتقل إلى النقطة الأكثر أهمية وهي أن الإنسان يواجه نفسه ويجد الكثير من العثرات والآلام التي قد ترهقه، ولكن الاستسلام للماضي هو نقطة سقوط أخرى تحسب له وهي أيضا سقوط سوف يستمر معه للأبد إذا لم يتم معالجته.

إن العلاج لا يكون بجلد الذات ولكن بالتصالح مع الذات، ووجود الكثير من الزلات والأخطاء والألم والخيبات بالماضي، يجب بطريقة أو بأخرى أن يجعلك تتقبل الحقيقة وتتصالح مع فكرة أن الإنسان يخطئ ويصيب ويسعى ويسقط ويستقيم وأن الدواء بيديك حينما تعمل على معالجة الثغرات في الحاضر وتحسين شخصيتك للحاضر وللمستقبل، فلا تجعل الألم يسرق منك روح الحياة التي تمتلكها مرتين وكُن على يقين أن الله سوف يسخر لك من حيث لا تحتسب، حينما تعد العدة وتشد عزيمتك نحو واقع أفضل، ومن هناك عليك أن تعلم أيضاً أن الإنجاز ليس بالوصول وإنما بالسعي كما قالها الكثيرون وما زال يقولها الكثيرون وإدراكك لهذه الحقيقة هو كنز، لكونك مكلف بالسعي لا بالنتيجة وكون النتيجة جزء من العمل، فأنت بذلك تكون قد فعلت ما عليك فعله والباقي هو التوكل على الله سبحانه وتعالى واحتسب بذلك أجر عملك عند الله.

1xbet casino siteleri bahis siteleri