الإنسان كائن ألمعي مفلول!
إن الحديث عن الإنسان هو حديث يبين أننا أمام ذات مفلولة يصعب تحديد جوهرها وكنهها…هو حديث يبين أننا إزاء ذات تحمل ما لا يعد ولا يحصى من الطباع، والشخصيات، والعواطف والرغبات.
تلك الذات الألمعية التي لطالما شغلت عقول المفكرين والباحثين على مر الزمن ودائما ما تساءلوا عنها وجربوا البحث فيها وفي وظائفها، وحاولوا جاهدين استخلاص خاصياتها كما حاول الكثيرون منهم تحديد ماهيتها وما تروم إليه، إلا أنهم وقفوا في مرحلة ما حينما أدركوا كل الإدراك أنهم أمام بحر معقد من الإرادة، والرغبة، والحاجة، والطبيعة والثقافة…علاوة عن الحق، والقانون، والفكر، والشريعة…إنها نسيج من كل هذا وأكثر، وبمجرد الغوص في مفهوم من هذه المفاهيم تنفتح دوامة شاسعة من الإشكالات والأسئلة، غير أنها مختلفة عن التي نعرف نحن، إذ الجواب عن كل سؤال يستدعي سؤالا جديدا وهكذا دواليك.
من المعلوم أن العقل لا بد له أن يصل إلى حد ما في مرحلة من مراحل البحث، ويؤكد هذا قول رب العزة في محكم كتابه: {وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا}.
أغلب من حاولوا فتح الباب عن هذه القضية المعقدة -الإنسان- لم يصلوا إلا لنتائج متواضعة تاركين بذلك البحث مفتوحا للأجيال القادمة من بعدهم…
يقول الفيلسوف ألكييه: “الإنسان عقل ولا عقل، شعور ولا شعور، وعي ولا وعي، حرية واستلاب”، هذه الازدواجيات قد تمكننا من اكتشاف الخيوط الناقلة التي تتيح الفهم الجيد لقضية الإنسان، وتجاوز المسافات البيضاء الفارغة التي تشكل موضع الشك في هذا الموضوع المعقد والمركب، وعلى الأقل، فإن المقولة هذه أطرت موضوعا ليس بالهين كما أن الغوص فيه صعب خصوصا مع تضارب الآراء وكثرتها. ومن بين أهم المقاربات التي تصب في موضوع الإنسان، نجد مفهوم “الشخص” والذي يضم بدوره مفاهيم عدة كالأنا والذاكرة ناهيك عن الشخصية، بيد أن لكل مفهوم مقادير ومحددات، بالإضافة إلى أن طبيعة العلاقات بين المفاهيم تتأرجح بين التقابل والتضاد تارة فالتطابق والتمايز تارات أخرى.
