انتفاضة الذات

أقول دائما إن النضال يبدأ من ذواتنا ومن تلك الإرادة الجامحة التي تعترينا من أجل التغيير. يريد الناس من الٱخر أن يتغير وأن يغير من تصرفاته في حين أنهم يأبون التنازل عن مكانتهم رغم ما يعتريها من سفاهة، لأن النفس البشرية تحاول الانفلات من التهم، فالإنسان في حد ذاته كائن مراوغ لذاته أو تتملكه الأنانية.

لعل هذه الأنانية، تتشكل من لدن الجماعة التي ينتمي إليها، حيث يصبح تفكيره منبثقا عن تفكير الجماعة التي تكسبه الأنا القومية أو الأنانية القومية التابعة التي تفقده فرصة التفكير والنضال الذاتي.

إن النضال ومحاولة التغيير يبدأ من الذات أولا بعيدا عن الأنانية القومية أو التبعية؛ فالارتقاء بالمجتمع يبدأ بتضامن الجماعة وإنشاء فكرة موحدة ومنطقية، ولا يمكن لهذا الارتقاء أن يستمر إلا بالنضال الفردي والتخلص من التبعية الساذجة، وما يحتكره المجتمع من عادات وتقاليد، تجنبا لأن نكون إمعة. وكما جاء في كتاب الله وصفا لأقوال من اتبعوا أقوامهم السالفة على ما كانوا عليه من ضلال: {إِنا وجدنا آباءنا لها عابدين} فهنا اعتقاد جازم بأنهم على هدى؛ لأن التطبع بما فعل المجتمع يفقد الهوية الفردية لكي تتغلب الجماعة ولو اندثرت موتا فهي تترك الأثر وتمنع الفرد الكسول من مداعبة فكره. وكما قال الفيلسوف الفرنسي بليز باسكال: “شر الإنسان كله نابع من علة واحدة؛ عجزه عن الجلوس صامتا في غرفته.” وهذه العلة التي أشار إليها باسكال تكمن في عدم قدرة الإنسان على ممارسة فعل التأمل وأنه إنسان كسول لا يقوى على فعل التفكير والتجديد؛ يظل يؤمن بما ٱمن به أقوامه من قبل وهنا لا أقصد الإيمان بالآلهة ولكن الإيمان بالفكرة لأن الفكرة هي ما يصنع الدين والمجتمع والإنسان.

مقالات مرتبطة

الفكرة علة المجتمع؛ لهذا يجب أن نتأمل ونناقش وننتقد وأن يتحرر الفرد عن الجماعة حينما يريد أن يناقش فكره وذاته ويتبين الصائب من الخاطئ، ولا شك أن هذه الجلسة التأملية التساؤلية لا يمكن أن نستغني فيها عن المجتمع، ولا يمكن أن تكتمل جلستنا التأملية إلا بالنقد الذي يؤدي إلى تحرر الذات؛ فإذا تحرر عقل الإنسان فلا ضير من الانتماء إلى الجماعة بهدف التعاون على الخير والبر؛ فالنضال يكمن في ألا نكون عبيدا لتفكير المجتمع لأننا بذلك سنكون تحت تفكير رحمة الغير، مختلفين عن تماثل الماهية المتأصلة في إرادتنا. هنا نفقد هويتنا وهويتنا الإنسانية، وإذا افتقدنا الهوية الذاتية وطعم الفكرة فإننا نفقد المجتمع والتفكير الفرداني؛ ليس التفكير الأناني أو العقل الآلي المنفعي الرأسمالي الذي يفتقد الفضيلة أو الديمقراطية التي تلغي رأي الفرد وتؤمن بالجماعة لأنها لا تستوعب حيثيات تفكير الجماعة وما مدى الإكراهات التي عايشتها أو الضغوطات المفروضة عليها.

ومما يظهر أن التفكير الفردي ضرورة لا مناص منها قول ديكارت: “أنا افكر إذن أنا موجود!” فقد جعل من الأنا موضع التفكير دون تدخل الجماعة، التفكير يجب أن يتخذ طابعا فردانيا غير خاضع لإكراهات تفكير المجتمع، أو ربما يمكن القول إن خضوعه لتفكير الجماعة هو الذي يدفعه للتمرد، والتمرد في كل حالاته يخلق الفن؛ لأن قبل فعل التمرد نعقد جلسة مع ذواتنا لتعلن تمردها، لتعلن أنها تريد الفن، والفن يأتي عند كل محاولة تجديد.

إن كل محاولة في هذا النطاق تخلق لوحة تخلق قصيدة تخلق الفن. فالفن يأتي حينما نتأمل، حينما تصيبنا الدهشة ونتدحرج في عمق الأشياء ونعيش حرية الفكر…حينها، يمكن أن نخلق المجتمع الذي لا يخلق إلا بوجود الفكرة والفن. فلنتمرد، ولنفكر ولنناضل لنخلق الفن. https://www.sportrentino.it/notizie.asp?notizia_id=151809&n=151809&s=33&l=0