كان يا ما كان .. كان الحب ذلك الشفق الذي يقود الشمس نحو الغروب.. كان متأنقا يظهر في أبهى حلله .. ينعم في ديباجه و يسمو بذلك العضو العضلي الذي يسكن الجهة اليسرى من التجويف الصدري لكل إنسان.. على شكل إيماء أو رمز من الواردات الإلهية و التنزلات الروحانية و المناسبات العلوية…
لكن اليوم انقلبت المفاهيم و تعاكست النيات و اندثرت القيم.. فأصبحت قلوبنا جوفاء… ليصبح بذلك الحب سوى لهفة و وسيلة و شرطا للعلاقات.. بعد أن كان طموحا يعنون هذه الأخيرة و يجعلها تسمو و تعلو و ترتقي..
تخبرني إحدى الصديقات عن الشاب الذي كانت تحدثه بأحد مواقع التواصل و عن تسرعه للتصريح عن تعلقه بها و رغبته في وصالها بعد أسبوعين فقط من الحديث .. جازما أن ما يشعر به اتجاهها هو حب لا أقل و لا أكثر ..
تقبلنا هذا التيار الجارف للعلاقات الافتراضية بكل شجاعة و تقبلنا معه كل المفاهيم الوهمية التي نتجت عنه ..حتى أننا لم نكتف بجعلها نكرة فقط بل لقبناها ” بالمشاعر الإلكترونية “..
لابد أن الأمر يعود خصوصا إلى التفكير بواقعية في مواقف تحدث في عالم مزيف تغمره الأوهام..أو إلى رغبتنا الجامحة في تحقيق ما لم نستطع إثباته على أرض الواقع.. و هنا نجد أن الكثير منا أصبح يبحث عن الارتباط و لو كان عبر اللاسلكي..ليجلس مثلا بين رفقاءه بالمقهى ممسكا بهاتفه.. فيعقب عليه أحدهم حول انشغاله بالهاتف .. فينفخ ريشه معلنا أنه يتحدث مع نجمته الافتراضية .. أو لتنام هي و تستيقظ على صوت يبدي اهتمامه بها ادعاءا أو وهما .. فيشعر هو أنه قيس بن ذريح و تشعر هي أنها لبنى التي تسببت في جنونه..
أسفا انتقلنا من الفراغ العاطفي إلى الفراغ من المنطق و العقل كذلك ..فتغشينا بالظلام رافضين الحقيقة.. متشبتين بوهم الحب و الإعجاب..
و بعيدا عن هذا النوع من العلاقات التي تحصر نفسها بالافتراضي فقط .. لازلت أذكر تفاجئي من زميلة في الدراسة و هي تحكي لي عن زميل آخر كان يسبقنا بسنة عندما نعتته بالصديق تلقائيا..فرد عليها هذا الأخير بنوع من الواقحة كاشفا على أنه مقبل على الرابعة و العشرين قريبا و لا حاجة له بإنشاء صداقات أخرى بل حاجته اليوم إلى الارتباط و كفى ..
تجرأنا للاستهزاء بكل شيء و رغبنا في صنع قدر الارتباط و الحب كذلك.. و في الأصل..كل هذا أعطية إلهية.. يزكي بها الخالق حكمته في خلقه أشد الضدين تناغما على هذه البسيطة: الأنثى و الذكر …
عليك إذن أيها الإنسان أن ترتقي الجبل على مهل و بأناقة .. و بذلك ما أو من تبحث عنه سيأتيك في الوقت المناسب ليكملك و يبث من حولك كل الطمأنينة التي تحتاجها مثلما تبث الشمس دفئها في هذا الكون…