التاريخ بين الإبستمولوجيا العلمية وإبستمولوجية الشارع
1-مفهوم التاريخ وإبستمولوجيته
ما هو التاريخ؟ إذا اكتفينا بالإجابة بناء على ما نسمعه حولنا، فسنجد أنه من الضروري طرح السؤال مجددا. أدرك التاريخ في عصرنا أن مهمته الحقيقية هي التفسير، ذلك أن بعض الظواهر لا تفسر بالرجوع إلى علم الاجتماع وحده: فهل يسمح اللجوء إلى التفسير التاريخي بأن يقدم عنها تفسيرا أفضل؟
أ. مفهوم التاريخ
عرف المؤرخ المغربي خالد الناصري، التاريخ كالآتي: “اعلم أن التاريخ من أجل العلوم قدرا، وأرفعها منزلة وذكرا، وأنفعها عائدة وذخرا، وكفاه شرفا أن الله تعالى، شحن كتابه العزيز- الذي لا يأتيه الباطل من بين يده ولا من خلفه- من أخبار الأمم الماضية والقرون الخالية بما أفحم به كبائر أهل الكتاب ، وأتى من ذلك بما لم يكن لهم في ظن ولا حساب، ثم لا يكتف -تعالى- بذلك حتى امتن به على نبيه الكريم، وجعله من جملة ما أسداه إليه من الخير العميم فقال جل وعلا: {تِلْكَ ٱلْقُرَىٰ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنۢبَآئِهَا ۚ وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَٰتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ ۚ كَذَٰلِكَ يَطْبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِ ٱلْكَٰفِرِينَ} [الأعراف: 101].
يصر المؤرخ المغربي عبدالله العروي على عروبة مصطلح التاريخ، فيقول: “إن تأليف التاريخ الإسلامي من إبداع العرب، لقد فشلت المحاولات للحصول على مؤثرات خارجية- يونانية أو فارسية- على غرار ما كشف عنه المنقبون من مؤثرات أجنبية في الفلسفة وعلم الكلام، ليس التاريخ الإسلامي نقلا أو اقتباسا أو استعارة من الغير، إن كلمة ”تاريخ” كلمة عربية، والكلمة الأجنبية “أسطوريا” التي كان من الممكن استعارتها، استعملت فعلا لكن في معنى اخر، للتعبير عن القصص الخيالية والميثولوجية التي لا تخضع لقوانين المراقبة والفحص والتدقيق، كحوادث التاريخ القريبة أو البعيدة.”
ب. إبستمولوجيا التاريخ
عرَّف العالم الجليل ابن خلدون المنهج التاريخي على أنه: “أخبار السابقين والدول والأيام، وفي محتواه التحقيق، والتعليل، والتعرف على الكيفيات والمسببات التي ترتبط بالوقائع”.
لكل علم من العلوم منهجه الخاص وموضوعه ومفاهيمه المهيكلة ومجالاته وإنتاجاته العلمية ومبادئه الخاصة، كذلك علم التاريخ فهو علم يتناول الواقعة التاريخية بمنهج علمي رصين يبدأ بتعريف الواقعة التاريخية ثم يفسرها عبر مراحل عدة، وأخيرا يقوم بتركيبها للخروج بنتائج معينة.
2- نظرة الشارع لعلم التاريخ
ينظر الشارع المغربي إلى التاريخ على أنه مجموعة من الأحداث والحكايات التي وقعت في الماضي، وهذا لا يتنافى مع المنطق التاريخي، لكن ما يحز في النفس هو تلك النظرة الدونية اتجاه علم التاريخ، ويعتقدون بأنه مجرد سرد ولا فائدة منه، في حين أن للتاريخ أهمية قصوى لا تعرفها هذه الشرائح من المجتمع.
ومن الأسباب التي جعلت التاريخ في هذه المرتبة، الطريقة التي يدرس بها إذ تقتصر على التلقين والحفظ والتذكر، في حين يهمل الجانب التحليلي والنقدي.
دراسة ميدانية*: أجريت على مجتمع إحصائي يقدر 270 شخص، كان السؤال الموجه كالأتي: ما هو التاريخ؟
-مفهوم التاريخ في نظر العامة-
92 بالمائة: التاريخ عبارة عن حكايات قديمة.
5 بالمائة: عبارة عن حكايات يمكن أت تفيدنا في الحاضر
2 بالمائة: التاريخ عبارة عن خرافات.
1 بالمائة: التاريخ هو علم يدرس الماضي من أجل فهم الحاضر والمستقبل.
مقالات مرتبطة
يتبين من خلال هذه الإحصاءات أن 92 بالمائة من العامة تنظر للتاريخ على أنه مجرد حكايات قديمة، في حين فئة قليلة التي أبانت على أنه التاريخ هو علم له موضوعه ومنهجه، كل هذا يؤشر على أن شريحة واسعة من مجتمع الدراسة، تجهل المعنى الحقيقي للتاريخ. وهكذا تكرس المبادئ الخاطئة على التاريخ.
وهذا الاتجاه لم يأت عشوائيا لكن جاء نتيجة رواسب حملتها العامة من المدرسة التي كانت تعتمد على الحفظ والتلقين في مادة التاريخ.
هذا يتجه مع الطرح القائل: “إن التاريخ سرد لأحداث، ولكل ما ينتج منها. وبما أنه، منذ البداية، سرد فهو لا يحيى الأحداث من جديد وهذا صحيح أيضا بالنسبة إلى الرواية. فالتجربة المعيشة، كما تبرز من خلال المؤرخ، ليست تجربة من يقوم بها. وبما أنها سرد، فهي تسمح بأن نقصي عنها بعض المشكلات الزائفة. التاريخ يفرز مثلما تفعل الرواية، ويبسط وينظم ويسمح بأن يحصر قرنا كاملا في صفحة واحدة.
3-أهمية التاريخ
للتاريخ أهمية وفائدة للمجتمعات البشرية، لأنه يعنى بدراسة المجتمعات الإنسانية وتطوراتها الفكرية ومخلفاتها الحضارية وأحوالها الاقتصادية والسياسية مما يفيد من التجارب الماضية في دراسة الحاضر والتخطيط للمستقبل، كما أنه ينبغي أن نلاحظ تطور المجتمعات البشرية في النواحي المادية والدينية، وأيضا في مستواها الثقافي والفكري بحسب ما تحصل عليه من العلوم والمعارف السابقة، وما تضيفه إلى تلك المعارف من التقدم المادي والتكنولوجي الذي هو نتيجة استمرار التجارب البشرية، وتطوير الحياة الاجتماعية، وتأثير ذلك في السلوك الاجتماعي والتقدم المدني.
*المصدر: عمل شخصي بتاريخ 15/05/2022