الانتصار لفلسطين انتصار للعدل!
ينتشر في العالم الظلم والطغيان بطريقة تجعل العديد منا يشك إذا كان سيقام العدل يوما بسبب شدتهما وقوتهما، فتختار فئة أن تعيش في سلام بعيدا عن كل هذه المشاكل؛ إذ لا ذنب ولا دخل لها فيما يحدث، وبعضنا يبدأ بالسعي إلى التغيير ويتمنى حدوثه بسرعة، ثم يتوقف تفكيره ويشله اليأس بسبب طول الطريق وقلة الحيلة. وفئات أخرى تفكر وتسعى بطرق مختلفة، أسوؤها تلك التي تسترزق وتتبع صاحب القوة بعيدا عن القيم والمبادئ، هذه الفئة لا فائدة من النقاش معها فهي تغير توجهها بتغير توجه سيدها، ولا تملك رأيها أبدا.
في قضية فلسطين لنا مثال، فلسطين ليست قضية الظلم الوحيدة، لكنها الأهم عند الكثير من العرب والمسلمين بسبب موقعها بينهم، وبسبب كمية الظلم وسفك الدماء الذي عاناه العرب مسلمين ونصارى، ولارتباطها أيضا بالمسجد الأقصى المبارك. إنها الأرض التي تغتصب ويقتل أهلها ويهجرون ويقهرون بجميع أطيافهم، ويدنس حرمها الشريف بالظلم والبغي والقتل والاغتصاب؛ حيث يحاول المحتلون ألا تكون حياة عليها سوى للصهاينة.
تآمر عليها العالم وخذلها المسلمون والعرب، أو بالأحرى لم يخذلوها، ولكنهم يعانون من ظلم من نوع آخر، ظلم الطغاة والمفسدين الخونة، المستفردين بالقرار والحكم. بدأت قصة فلسطين عندما اضطهد اليهود في أوروبا ففكرت جماعة بضرورة إنشاء بلد قومي لليهود، وبدلا من تعويضهم من الأنظمة التي اضطهدتهم وسن قوانين تمنع تهجيرهم وتمنع معاملتهم بتمييز، وبدل العمل على ضمان حياة طبيعية وكريمة لهم وإبقائهم في بلدانهم الأصلية، ومحاكمة الجناة الذين ارتكبوا مجازر في حقهم وفي حق شعوب وأعراق أخرى، عُمل على إخراجهم من أوروبا ومن باقي البلدان الغربية ودفعهم ومساعدتهم على ارتكاب جرائم ومجازر لا تقل وحشية عما تعرضوا له، وإنشاء كيان عنصري لهم قائم على القتل والسرقة والتمييز. فالكثير من صانعي القرار حول العالم لا يحترمون حقوق الإنسان كما يدعون، وإنما يسعون نحو الربح والمصالح، وصاحب القوة هو من يحدد الصواب والخطأ أمام العالم.
تم الاتفاق على منح حماية للصهاينة وضمان وطن لهم في منطقة يسهل حشد اليهود إليها باسم المقدسات والكذب والتزوير، وتُمكن ممولي الكيان من بسط سيطرتهم على المنطقة كلها، فالشرق الأوسط غني بالثروات والمصالح. فقبل الصهاينة بالعرض، لكن بعض اليهود لم يرضهم العيش على جثث الأبرياء، فأهل الكتاب ليسوا سواء. استمر الصراع عقودا، ولم يكن الصهاينة أقل وحشية من أنظمة أوروبا تجاه اليهود، كان الصهاينة يقتلون الأبرياء في فلسطين ويأخذون الدعم من الغرب في نفس الوقت الذي يضطهد فيه اليهود في الغرب! انتقموا من شعب لا يريد سوى أن يحمي أرضه وإرث آبائه وحقه وبلاد أجداده، والآن، يرى داعمو الاحتلال أن كل محاولة من الفلسطينيين لاسترداد حقوقهم جرم يستحق الإدانة، كان ولا يزال الظلم مقبولا ومبررا، إذ من حق الصهاينة الدفاع عن دولتهم المسروقة.
الغريب أن الفلسطينيين والصهاينة صاروا سواسية عند بعض من يسعون إلى إنهاء هذا الصراع، أو ربما يرون أن إسرائيل صاحبة الأسبقية والأحقية، فإذا قُتل طفل فلسطيني ندين إسرائيل، وإذا قُتل طفل من أبناء الصهاينة بالخطأ ندين فلسطين. وأي منطق يقبل هذا؟ بل كل اللوم على من سرق وقتل وأتى بأطفاله الأبرياء إلى ساحة حرب هو أشعلها، ليس من المنطق إطلاقا لوم الضحية على دفاعها عن نفسها وعن حقوقها. إضافة إلى هذا، الصراع في فلسطين غير عادل، فإسرائيل مدعومة من الحكومات الغربية وتمتلك أحدث الوسائل وأكثرها دقة ومع هذا تستهدف البيوت والأطفال، أما فلسطين فمحاصرة ولا تمتلك من الوسائل إلا البدائية منها وتحاول بكل ما تملك أن تردع عدوها وترد على بغيه.
إن قضية فلسطين تظهر ازدواجية معايير العالم، فأغلب صانعي القرار لا ينتصرون لمن معه الحق وإنما ينتصرون لمن معه المصالح أو لمن يفرض وجوده وقوته، وقضية فلسطين من بين العديد من قضايا الظلم في العالم، وما خفي أعظم وأمر. إن الأحداث حول العالم تستدعي تحمل كل واحد منا المسؤولية وإيصال صوت المظلومين والانتصار لهم، فالظلم قضيتنا جميعا، والسكوت عنه شراكة في الجريمة. الانتصار لكل مظلوم واجب، والدفاع عن الإنسان قضيتنا جميعا، فمن اعتدى على نفس أو قتلها فكأنما اعتدى أو قتل الناس جميعا، فحرمة البشر أهم من حرمة كل المقدسات. والظالم لا حدود لظلمه، ولا يمكن لظالم أن يفكر بشيء سوى مصالحه، فلا تنفع معه لا اتفاقيات ولا معاهدات، وإلا ما ظلم منذ البداية. الظالم لا يُتفق معه، الظالم يوقف ويحاسب وتُسترد منه الحقوق!
لن ينتهي الظلم في العالم أبدا، فالشيطان مصدر الشر موجود منذ خلق آدم وأنظره الله إلى يوم البعث. كذلك قصة صراع موسى مع فرعون هي الأكثر ذكرا في القرآن، لأنها القصة التي ستتكرر دائما وأبدا، فالظلم والطغيان سيستمران إلى قيام الساعة، والواجب علينا رفعه وعدم الركون والخضوع له، ليعلم الله الذين صدقوا منا وليعلم الكاذبين. وبالمقابل، وعد الله أن الحق ينتصر، فإن لم يكن انتصاره في الدنيا سيكون الانتصار في الآخرة. النصر للحق في الأخير وعند الله العدل المطلق. وعموما، الحق لا يحتاج منا نصرا ولا التفاتا، فسنن الله مستمرة بنا أو بدوننا، وإن نتولى يستبدل قوما غيرنا ثم لا يكونوا أمثالنا، لكن نحن من نحتاج تحديد موقعنا يوم القيامة، ولنبرئ ذممنا أمام الله. فأي شيء ندافع عنه سواء كان خيرا أو شرا إلى فناء، والأرض بكل ما فيها وبكل ما عليها إلى زوال، وكل طاغية مهما علا شأنه وظن أن لن يقدر عليه أحد نهايته إلى الله، ومهما بلغت قوته فلن يقهر الناس أو يعذبهم فوق طاقتهم، لأن ذلك يوجب لهم الموت وهذا من رحمة الله، لكن يوم القيامة لا موت ولا فناء، وكل سيجزى بما كسبت يداه، والجزاء عظيم والقاضي عليم حكيم.
ختاما، لا يمكن للدين أن يتعارض مع فطرة البشر، ولا يمكن لفطرتنا أن تقبل بالظلم في أي مكان وعلى أي مخلوق، وكل إنسان سوي مهما كان معتقده سيؤلمه ما يحدث في فلسطين، وسيؤلمه أي ظلم في العالم، وسيرى أن من واجبه رفعه والانتصار للمستضعفين، فوجود الظلم تهديد لكل البشرية وخطر على الإنسانية، وهذا منطق الحكماء.