جرأة الإبداع..
“خسارة أن تمر على وجه الأرض ولا تغير شيئا ولا تترك أثرا.
خسارة أن تولد وتموت في زمن مهزوم بوعي مهزوم وخائف.” – حسين البرغوثي
هناك خطران حقيقيان نواجهما في هذه الاوقات الصعبة التي نمر بها: خطر فقدان الاتجاه وخطر الانعزال التام. للخروج من مأزق وعواقب هذين الخطرين يجب ان نتحلى بكل ما نملك من شجاعة لمواجهتهما، لانه لا يمكن ان ننسحب ونحن نعرف أن الأسس التى تقوم عليها حياتنا مهتزة وغير متماسكة؛ فلا يمكن ان نصاب بالشلل ونغطي تقصيرنا باللامبالاة ونتنازل عن فرصتنا في تشكيل المستقبل.
نحن بحاجة لقدر من الشجاعة والمواجهة، ولكن بطريقة مختلفة تماما عن أي نوع مواجهة خضناها من قبل. نحن بحاجة إلى مواجهة مصاحبة للفعل الابداعي نفسه، تساعدنا في تشكيل وبناء عالم جديد مهما كانت إمكانياتنا ضئيلة ومواهبنا ضعيفة ومواردنا شحيحة. نحن بحاجة إلى شجاعة وليس تهور يؤدي بنا إلى الهلاك، الشجاعة التي تكون فيها مدركا لاحتمال وقوعك في الخطأ وتتجاوز بفضلها كل ما قيل أو يقال أو سيقال، ما جاء أو ما سيأتي.
يقول سقراط: “السر في عمل التغيير يكمن في أن تركز طاقتك ليس في محاربة القديم بل في بناء شيء جديد”. يجب أن نفهم أن الحقيقة عملية لا تنتهي أبدا؛ أن جيلنا سقط بأكمله في فخ بين عصرين أو فكرين وأنماط كثيرة من الحياة. فقدنا القدرة على فهم أنفسنا ولم تعد هناك معايير واضحة نتبعها وهذا هدد وجودنا وقيمنا وأهدافنا وطريقنا في الحياة؛ فأصبحنا عاجزين عن التفكير أو الحركة وضرب أعماق أعماقنا وشوشنا وشتتنا وحيرنا وعيشنا في خوف وهددنا بالانقراض إنسانيا ونفسيا وأخلاقيا. لكن هذا الخوف من الانعزال هو إشارة لنا كي ندرك ذواتنا ونعيها جيدا. فلنبدأ إذن بالقضاء على هذا الخوف وهذا الخطر بعلاج أنفسنا لأن هذا الخوف هو بمثابة صراع، ما دام هناك صراع يعني هناك إمكانية لإيجاد حل بناء.
أول خطوة في هذا الطريق هي الاعتراف والشجاعة والمواجهة. شجاعة خلاقة تكتشف من خلالها علما جديدا ومناهج جديدة، تبني بفضلها مجتمعا جديدا، تكتشف من خلالها الانسجام وسط التنافر، الجمال وسط القبح وشيئا من الحب الإنساني وسط الكراهية، كما يقول أحد الفلاسفة الألمان: “أنا جاهز لأمشي عشرين ميل كي أستمع لألذ أعدائي إذا كان من الممكن أن أتعلم منه شيئا”.
اليوم، صار الخيال موجودا والأُفكار كذلك موجودة ومخزنة تحت سطح الوعي، مصدر الإبداع الحر. دائما ما نردد جملة: “راودتني فكرة خرافية”، أو “فجأة نزلت علي فكرة” هذه الأفكار موجودة في أبعاد أخرى تحت مستوى الوعي، وعلينا أن نخترق كل هذه الطبقات لنصل إليها، ونقوم بعملية قرصنة لهذا المخزون البشري الفكري والفني والثقافي الموجود في أعماقنا.
علينا الاعتراف أن هناك أشياء تمنعنا كالوظيفة مثلا، أو أعذارا مثل “ليس لدي وظيفة، علي البقاء مع أهلي، صعب جدا أن أسافر، ليس لدي نقود كافية لأبدأ، إلخ”. قد يكون البعض منها حقيقيا ومعقول فعلا، ولكت تذكر أن وضعك غير معقول أيضا. تذكر أنك تستطيع البدء، وأنك قادر على عدم التحجج بهذه الأعذار وتتجاوزها، وأنك قادر على إيجاد حلول وإجابة لمشاكلك. هذه هي الشجاعة والمواجهة الحقيقية، بأنك تقضي على الصوت الضعيف بداخلك والذي يقيدك ولا يمكنك من الحركة.
إذا لم تكن هذه هي الحياة الذي تحلم بها، فقم بشيء اليوم. أنظر بداخلك ستستطيع أن تجد الدوافع التي ممكن من خلالها أن تتجاوز كل المصاعب التي تمر بها، ستستطيع أن تعيد القطع التي فككت فتعيد جمعها وتبني حياتك من جديد. هذه هي مهتك بدل أن تجلس تتطلع على حياتك وهي تنهدم أمامك. ما حدث فقد حدث، لا يمكن القيام بشيء لاسترجاعه، المهم هو كيف نتجاوب مع ما حدث. القرار الصحيح هو ما الذي يمكنه فعله؟ ما الذي يمكنني تغييره؟ وليس التفكير على من تستطيع اللوم؟ عندما ستشتكي فلن تجد أحدا يساعدك وكلنا جربنا هذا الأمر. سيقوم الناس بمساعدتك عندما تقوم بخطوات للتغيير، أما اليوم فلا أحد سيهتم بالسماع لك، ولا أحد سيسمح لك بأن تسحب طاقته بسلبيتك.
الحل الآن هو أن تأخذ قرارات آنية وسريعة، وأولها أن تعطي فرصة ثانية لتحب وتثق بنفسك وأن تتخيل النسخة الأفضل عن نفسك، تتخيل الشخص الذي تقوم بإعداده للغد، تقوم بتفعيل خيالك والذي هو امتداد لعقلك، تفكر بالأدوات التي بين يديك والمواهب التي لديك، وما الذي يجب إلغائه من حياتك لكي يبقيك مركزا على الشيء الذي تطمح له؟ تجمع وتحشد كل ما عندك من إمكانيات لهذه المواجهة. أنت بحاجة أن تكون جاهزا لكي تدفع الثمن، والثمن هو الوقت والتركيز والالتزام والتحمل. الحماس ممكن أن يكون موجودا لدى العديد، ولكن التحمل هو الشيء النادر والثمين والذي تملكه وأنت جاهز لتدفعه. بمعنى آخر، لا تقل أنك لا تملك شيئا، فلديك الحماس، والتحمل والشغف والثقة والعقل والجسد ووفرة من المعلومات عن أي شيء تريد أن تتعلمه؛ إذا قررت القيام بأشياء أنت في الأصل تكره القيام بها لأنها صعبة ومؤلمة وفيها معاناة تأكد أن النجاح ليس وحده ما ينتظرك ولكن أيضا عظمة لا يمكن وصفها، فلتجهز نفسك لها.
عن سلسلة (العقل زينة) لسائد زردار
التدقيق اللغوي: آيت الله هيدور.