قراءة في كتاب: شذرات حول آخر الفرسان لفريد الأنصاري
هل سبق وقرأت عن لقاء روحاني صوفي بين كاتب يحدثك بنهم عن سيرة شخصية أثرت فيه حد الهوس؟ رواية آخر الفرسان صغيرة الحجم فياضة المعنى لصاحبها فريد الأنصاري وتقع في 254 صفحة. بأسلوبها المميز تنقلك لعوالم شخصية لها وقع وأثر في الفكر الإسلامي، تكبد عناء نقل سيرتها المفكر المغربي والداعية المغربي الراحل فريد الأنصاري، بأسلوب رائق وبديع، بصولاته الفكرية المعهودة قدم لنا سيرة صاحب رائعة “رسائل النور” الذي لقي بسببها ما لقي إنه بديع الزمان سعيد النورسي.
عرض يتراوح بين الصيغ الحوارية تارة والسردية أخرى، رغبة منه في إحاطة القارئ بكل ما يكتنف هذا اللقاء، لقاء قد لا نميز فيه بين الحقيقة والمجاز، الواقعي من المتخيل، لقاء بين من لقي بارئه في عام 1960، بمن شاءت الأقدار أن يبزغ نور نشأته في نفس السنة، مفترضا وجوده ولقاءه، وكأرضية ممهدة لهذا اللقاء يقول في مطلع الرواية وتحديدا في معرض الحديث عما أسماه حكاية الرحيل إلى بلاد التجليات: “كان قلبي يحدثني أنه ما يزال هناك…رغم أنه قيل لي لقد مات منذ سنة 1960م ..كيف؟ كيف يكون قد مات -يا سادتي- وأنا أكاد أجد ريحه لولا أن تفندون..؟ نعم كل الكتب تتفق على تاريخ وفاته المذكور. وأصدقكم القول: ما صدقت منها أحدا…ولذلك قررت أن أراه وعزمت الرحيل فحملت حقيبتي الصغيرة؛ وتوجهت تلقاء سيدة المدائن، خاتمة عواصم الإسلام إسطنبول! ولكن قيل لي: لا بد من دليل. ودليل إسطنبول ليس كأي دليل! فلا بد أن يكون همة وفراسة.”
بهذا الاستهلال البديع أطل علينا الأنصاري ممهدا للقائه مع ضيفه النورسي، والذي سيجعل كل من يتذوق أسلوب عرضه يتساءل عن كنه الأسباب الداعية لاختيار هذه الشخصية تحديدا والسر من وراء استحضارها بهذا الذوق الروحاني الأخاذ عبر مقامات تارة (مقام الهدى، مقام التفرد، مقام المشاهدة، مقام الغضب، مقام الغربة، مقام الهجران) وحكايات أخرى (حكاية الرحيل إلى بلاد التجليات، حكاية بكاء النوارس و الحمام …) والجدير بالذكر أن لهذه الرقة والجمال في التناول سياق ودواعٍ تدفعنا دفعا لسبر أغواره.
وكذلك كان في محاولة منا لإشباع الفضول المعرفي عن سياق هذا التناول العميق وهذا الارتباط الوثيق بين المؤلف (الانصاري) وموضوع روايته (النورسي). قادني هذا الشغف إلى أن اخلص إلى أن بديع الزمان كان أبا روحيا لفريد رحمة الله عليهما، إذ أفرد رسائله “كليات رسائل النور ” ببحث أكاديمي رصين، ولطاما أقر أن تركة بديع الزمان الفكرية والتربوية الضخمة تعد مصدر إلهام وإبهار له وأنه أفضى إلى ما قدم قبل أن ينال ما يستحق من تقدير وتبجيل عرفا له بجميل صنيعه العلمي والعملي.
لأجل ذلك وغيره أبى إلا أن تكون هذه القامة العلمية موضوعا لروايته (آخر الفرسان). بديع الزمان فكرة إذن قبل أن يكون شخصا؛ إذ تجاوز بفكره الإصلاحي كل التخوم المعهودة، واقتحم العقبات والحدود الاجتماعية المرسومة آنفا، كرس حياته من أجل فكرة الإصلاح الاجتماعي والسياسي في بلده، وأصبح أيقونة ومصدر إلهام لشعوب أخرى متخذا من مؤلفه رسائل النور معبرا لمرماه.
ولا يسعني في نهاية هذا الاستطراد إلا أن أنصح بتصفح الرواية.