أمة الخير، أمة الرحمة!

وتمضي الأيام الطوال، فتأكل من عمرنا ما تأكله، فماذا يتبقى إذن؟ تاريخ يحفظه كل منا بين طيات ذاكرته ودفات كتاب عمره، وفي زمننا هذا، لم يعد له أية أهمية كبيرة، فقط عدة كتب مركونة في زاوية المكتبة مرت عليها السنون وهي تنتظر من يمسح عنها غبار الدهر ويحيي قصصها من جديد، هي كتب تسجل حياة أشخاص أفنوا عمرهم من أجل تغيير مجرى التاريخ، ونحن المسلمون، وفي زمننا هذا، نود لو يعود بنا الزمن من أجل لقاء عظماء الإسلام، وفي هذه السطور، سنهرب إلى سيرة عطرة، نتجول مع الصحابة.

فلننطلق في رحلتنا، هو الآن يصلي، رُمي عليه سلا الجزور، وها هو ينتظر حتى أزيحت عنه، فأكمل صلاته، كانت دعوة واحدة كفيلة للانتقام من الفاعل، لكن هذا هو سيد الخلق أجمعين! إنه رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم. من أفنت عمرها وهي بصحبة الرسول، ضحت بالغالي والنفيس من أجل مساعدته ومؤازرته، أم الأبرار، إنها خديجة رضي الله عنها. وثاني اثنين إذ هما في الغار، صاحب الرسول الذي كان له خير سند، صدق برسالة الرسول وبَكَّر في دخوله إلى الإسلام، فلُقب بأبي بكر، إنه عبد الله رضي الله عنه. الإيمان عشش في قلبه، فلم يجد الكفر سبيلا له بعد إسلامه، إنه عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وسيف الله المسلول، قاد المسلمين وسار بهم نحو النصر، إنه خالد بن الوليد رضي الله عنه. ومن عُذبت هي وعائلتها، وها هي الآن أول شهيدة في الإسلام، إنها سمية وآل ياسر رضي الله عنهم…وغيرهم من الصحابة الذين عاشروا النبي فأكرم الله مثواهم، حيث قال الحق سبحانه في سورة الواقعة: { وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَٰئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ}. يا لهذا الشرف، إنها جنات النعيم!

كل هؤلاء الصحابة، مروا بتجارب قاسية من مقاطعة وتعذيب وشتم وسب، لكنهم صبروا واحتسبوا أجرهم على الله. لكن مسلم اليوم هل تُراه يصبر ويجاهد في سبيل الله، أم أنه سينفجر غاضبا شاتما أو باكيا خائفا؟ قد تقول عزيزي القارئ كلٌ ودرجة صبره، أو أن الله اصطفاهم فألهمهم القوة، لكنني أقول لك كلٌ ودرجة تشبعه بالإيمان، فهل يا ترى المؤمن الضعيف خير من المؤمن القوي؟ كلا، ماذا لو كنا جميعا مثل هؤلاء الصحابة، صابرون محتسبون أجرنا على الله، قد تتهرب وتقول: في زمننا الراهن السياسة والاقتصاد تحكمان كل شيء، المال يقيدنا، أصبحنا أسيري الأسهم وارتفاع أسعار البترول. نعم، هذه مشاكلنا، لكن ما شأنها وشأن تعاملنا؟ ستقول الضغوطات، كلٌ يهتم بنفسه وعائلته، لا مجال للآخرين.

وأنا أقول لك يا صديقي، تذكر أيام طفولتك، عندما كنت تجلس في حضن جدك المسن الذي يحكي لك حكاياته المشوقة وأنت ترتشف الشاي اللذيذ الذي أعطته لك جدتك، سوف تشعر بالحنين الجارف، ذلك الشعور الجميل، الذي يحرك مشاعر القلب.

ماذا لو وظفت ذلك الشعور في الحنين إلى العيش مع رسول الله؟ أن تكون صحابيا، ماذا لو مت شهيدا فتدخل الجنة خالدا فيها أبدا؟ هل ستبدل رأيك الآن؟ ماذا لو رسمت بسمة على وجه حزين؟ وربت على رأس يتيم؟ تنشر السعادة وتشعر بها، شعور رائع!

غصنا بين غياهب الذكريات، رحلة طويلة في الأمد، وها قد وصلنا إلى النهاية، وأبصرنا النور، وجدنا ذلك الشعور الذي قد يقلب الموازين، إنه الحنين إلى الماضي! فلننقع قلوبنا بهذا الشعور الدافئ، ونصبح نحن تلك الأمة التي كنا نحلم بها من أمد، نحن أمة محمد، نحن أمة الخير، نحن أمة الرحمة!

1xbet casino siteleri bahis siteleri