الامتنان

زارني اليوم في المستشفى رجل في عقده السادس من العمر، وكما جرت العادة قمت بالترحيب به ثم باشرت بطرح الأسئلة المهمة لمعرفة ما به، إلا أنني لاحظت أمرا رائعا في طريقة كلامه وهو يجيب عن الأسئلة فكلما ذكر أمرا يشكو منه إلا وأتبعه بجملة “الحمدلله على كل حال”، فمثلا عندما يشتكي من الألم في الأذن اليمنى يلمس في الوقت نفسه الأذن اليسرى ويردد بصوت يملؤه الرضا (هادي أدكتور الحمد لله مزيانة ما فيها والو)، وقس على ذلك كل الأجوبة التي تفضل بها، نظرت إليه بابتسامة عريضة ثم قلت له أنت إنسان قوي وصبور.
سكت لبرهة ثم أجابني، ربما أنت على حق أنا قوي وإن كنت فعلا كذلك فبفضل الله، وإن كنت ممتننا فبنعمته. فهو الرزاق وهو من يعطي ويأخد، وما أخد إلا وأعطى أضعاف ما أخد، فكيف لا أكون صبورا وممتننا! ابتسمت لكلامه المليء بالمعاني وطريقة تعبيره الجميلة ثم أكملت الفحص وشخصت حالته وبعدها انصرف إلى حال سبيله.
الامتنان؛ لطالما سمعت وقرأت هذه الكلمة مئات المرات، لكن ربما لم تتح لي الفرصة للغوص في معانيها وفهم عمقها. فعلى الأرجح هناك مواقف كثيرة وجميلة يمر بها الإنسان في الحياة دون أن ينتبه أن مروره فارغ تماما من الامتنان أو حتى استشعار تلك اللحظات بأدق تفاصيلها وشكر الخالق عليها، وحتى تلك المواقف السيئة والمعقدة حد الإحباط أظن أنها تستحق منا الشكر والامتنان، فبدونها ما كنا لنصل لما نحن عليه اليوم من نجاح ووعي بالمسؤولية، فكل ما لا يقتل يمنح الإنسان قوة ونضجا.
لذلك هي وقفة ودعوة للجميع لتدارك ما مضى من الفرص لشكر النعم والرضا تمام الرضا بالمقسوم والعمل على إصلاح ما بيد الإنسان وفي مقدوره إصلاحه. وستلاحظون مع توالي الأيام أنه كلما رضيت بما تملك ثم سعيت جاهدا للوصول لما لا تملك، ستفاجئ بعطايا الله ونعمه التي لا تنفذ أبدا. وتأكد أن الصبر في أحلك الظروف عبادة تتقرب بها من الله، وتحتسب به الفرج القريب وبلوغ المراد.
إن الحياة بمراحلها ودروبها تتطلب الصبر الجميل ثم الشكر والامتنان مهما كانت ظروفها قاسية، وتعلموا أن تفرحوا وتكونوا ممتنين لتلك الأشياء البسيطة التي تملكونها، وحتى تلك التي لا تمتلكونها، ففي النهاية السعادة هي حليفة أولئك الذين رضوا بالموجود قبل النظر للاموجود.
1xbet casino siteleri bahis siteleri