الحياة…من زاوية مختلفة!

في تلك الليالي الباردة التي ينعم فيها الكثيرون بغطاء دافئ، وفي تلك الليالي الماطرة التي يتسمر فيها الكثيرون أمام النوافذ وفي الشرفات مستمتعين بقطرات المطر، في مشهد رومانسي أنيق، وفي تلك المناطق الجميلة التي يكسوها الثلج ويستمتع الناس فيها بالتزحلق تارة وبرشق بعضهم البعض تارة أخرى، هناك في تلك المناطق مظاهر أخرى لحياة لا نعرفها.
المطر ليس بهذا الجمال فهو قد يعني لأحدهم فساد محصول أو كساد تجارة وقد يعني لآخر بصيص أمل وقد يعني لكثير رحمة وأمنا، الأشياء ليست بالضرورة كما نراها والحياة لا تملك وجها واحدا فقط، قد نحتاج أحيانا لتغيير منظورنا للأشياء، قد نحتاج للتموقع خارج الدائرة التي لم نخرج منها يوما وقد يكفي أن نطل خارجها لنستوعب شكل الحياة بعيدا عن حدودها.
الأمر ليس بهذه الرومانسية لكثيرين، لمئات ولآلاف أو ملايين يستوطنون مناطق منسية في هذا العالم، هناك قد يكون الثلج مرادفا للموت، موت بطيء عند شح الموارد وانقطاع الطرق وموت سريع ارتجافا من البرد، لأن البرد في مخيمات اللاجئين وفي الجبال المتوارية لا يرحم، إنه أشبه بسم يستشري سريعا في الجسد يشله ويرديه كحطام من خشب.
قد لا تحتاج أن تبتعد كثيرا عن محيطك، نظرة إلى الحي الخلفي المليء بالنتوءات والأحياء المظلمة الأخرى قد تكون كفيلة بجعلك تستوعب كم التناقضات في هذا العالم، ففي الوقت الذي تخرج فيه للاستمتاع بأشعة الشمس يوجد آخر يحاول الاحتماء من لهيبها لأنه لا يملك مأوى، أو توجد أخرى مختبئة في زاوية ما مخافة أن يتعرف عليها أحد من المارة.
على الشارع الرئيسي تمر كل يوم، يزعجك ازدحام الطريق بسبب حادث مروري، لكنك لا تكلف نفسك عناء التوقف أو الاهتمام، فالأمر لا يعدو كونه مشهدا روتينيا تشهده يوميا، لكنه في الجهة المقابلة يعني فقد شخص عزيز لأحدهم أو عاهة مستديمة لآخر أو سجنا مؤبدا لشخص أراد تفادي كارثة فتسبب في كارثة أكثر فظاعة.

مقالات مرتبطة

على التلفاز عشرات الأخبار التي تتناقل كل ساعة، حروب في كل مكان، كوارث متفرقة، لكنها لا تحرك فيك ساكنا، لقد تعودت وأصبت بالتبلد ولا يهمك أن تكدر صفو يومك بسبب حادث يتكرر كل يوم نتيجة حروب أنتجها الغباء والجشع البشري، كما كان الأمر على مر العصور.
في الحي الذي تقطنه تمر كل يوم من نفس الشارع دون أن تنتبه لوجود جسد يهتز تحت لحاف متهرئ، لكنك قد تنتبه يوما وستستمر في سيرك قائلا لنفسك لا بأس يوجد الكثير منهم في كل مكان، في اليوم الموالي ستجد ذلك الجسد قد أصبح جثة هامدة، ستستمر في طريقك قائلا أحدهم سيتصل بالإسعاف، وفي أحسن الأحوال ستقف متسمرا متفرجا، لكنك لن تعترف حتى بينك وبين نفسك أنك تملك جزءا من المسؤولية.
قد تبدو الأشياء صادمة بعيدا عن محيطنا، قد نستغرب أنه على هذه الأرض التي تحملنا هناك من يعيشون بجوارنا يبدون متماسكين، كما يبدون لآخرين سعيدين ممتلكين لمفاتيح الدنيا، لكن نظرة واحدة لدواخلهم قد تجعلك تشفق على ما يشقون به من حمل، خارج عالمنا سنفاجأ أن هناك عوالم أخرى مختلفة كلية عن عالمنا الذي نلاحق فيه أحلامنا التي لم تكتمل ونستمر فيه في تحليل التفاصيل الدقيقة لأشياء ستبدو مع اكتشاف هده العوالم تافهة متجاوزة، لكننا رغم كل شيء لن نفعل أي شيء لتغيير أي شيء.
لكن في لحظة من لحظات الحقيقة التي قد نواجه أنفسنا بها ربما ندرك أننا يمكننا أن نفعل أشياء كثيرة صغيرة بالنسبة لنا، لكنها قد تعني شيئا لأحدهم في مكان ما، ربما نجرب أن نبدل التجهم الذي يتلبسنا بابتسامة لعابر سبيل تعني أن تفاءل فالدنيا لا تزال بخير، قد نجرب أن نستبدل مشاعر اللامبالاة اتجاه الأشياء والأحداث ببعض الاهتمام لأحد يحتاجه، يتيم يتوق لكلمة طيبة أو عجوز أعياه الزمن أو فتاة تائهة تحتاج بوصلة تهديها السبيل.
قد نجرب أن نجعل للأشياء التي أنعم الله علينا بها زكاة كزكاة المال، فتقاسم العلم زكاة لعلمك، ومواساة الآخرين زكاة لما أنعم الله عليك به من سعة خلق، ونشر الوعي زكاة لما أكرمك الله به من إدراك، وإشاعة الحب والتضامن زكاة لما خصك الله به من رهافة حس، وزرع الأمل زكاة لما أعطاك الله من تفاؤل، ومساعدة الآخرين وتنفيس كربهم زكاة لما وهبك الله من قدرة واستطاعة.
ساعتها فقط لن يرعبنا أن نخرج من الدائرة ونطل على ما يجري في العالم الخارجي الحقيقي الدي يشبه في أشياء كثيرة عالمنا الداخلي المليء بالمطبات والذي يحتاج أوقاتا كثيرة ترميما من يد خارجية لم يرعبها أن تطل على ما تحملها أنفسنا من تناقض لأنها تؤمن أن مد يد العون زكاة لشيء مخبوء أودعها الله إياه.

1xbet casino siteleri bahis siteleri