انتظار في المقهى

إني لأجهل تماما ما يجعل هذه الكلمات تنساق إلى ذهني في هذا الوقت والمكان تحديدا، أهو طول تأخر قدوم من قد يؤنس وحدتي ويكسر تفكيري الباطني ممن أنتظرهم؟ أم هي فكرة تبعث في نفسا يجعل أهوالي أبسط إن وضعت على الورق؟

لطالما كنت أستمتع بالجلوس على قارعة تخول لي رؤية الناس والتأمل فيهم، فأسرح في تحليل نفسي معمق لكل من رمقتهم أعيني، انطلاقا من نظراتهم وحركاتهم وتعابير وجوههم وإن كان ذلك ليس بالشيء الصحيح، كونه مبني على القشور لا البذور.

لكل منا قصته الخاصة وحروبه الداخلية والخارجية التي لا يعلمها ويدركها إلا هو، كل منا يصارع دواخله في محاولة للهروب من الألم والحزن والمشاعر السلبية ما ظهر منها وما بطن. لكن، ما يحز في النفس هو استسلام البعض منا واعتياده لدرجة لم يعد يقوى بعدها على المحاربة لتجرع قطرات السعادة وإن كانت لحظية تجد للأمل فيه طريقا.

تبقى كل المفاهيم هنا معلقة إذ لا يقدر الفرد مهما قربت مسافته وظروفه من الآخر أن يكون على تمام الاقتناع والاتفاق بنفس المبادئ والأفكار، فلكل منا وجهة نظره والتي نادرا ما يتخلى عنها للنظر من جديد للقضايا وما لحقتها من تغيرات. إن أقل ما يمكن أن يقال عن هذا الخوف من التغيير مهما كان بسيطا، هو إضعافه للأشخاص وإعاقته لمسيرة التطور فلولا تغير أحوال آبائنا وأجدادنا لما كنا في هذه الحياة نستشعر من ملذاتها وقساوتها.

وأنا أكتب كلماتي هذه خطرت في بالي مرات عديدة حاولت فيها الانتصار على أحوال أكبر مني ومما أتخيل، ظنا مني أنني أقدر على مواجهة كل الأشياء، بما فيها الإنسان. أردت جعل الكل يفكر بإيجابية ويحاول النجاح ولو كلفه ذلك عمرا من عمره. ربما كان حسي هذا ينبعث من تأثير بعض الشخصيات المشهورة من سفراء السلام وغيرهم، إلى أن انتهت رحلتي القصيرة المتعبة هذه بعد أن صادفت آية من القرآن الكريم وكأنها كانت رسالة موجهة لي.

بعد تدبر عميق وصدمات عديدة فهمت أن تغيير الأفراد أو تغيرهم يرتبط بإرادتهم فقط، أما الدعم والتشجيع الخارجيين فيأتي في مرتبة ثانية لا يمكنها خلق المعجزات بل تبقى مجرد تعزيزات. في قصص الأنبياء، حاول سيدنا نوح إقناع ابنه بصعود السفينة فأبى عن أمره. نصح سيدنا لوط قومه بالعدول عن شيمهم الفاسدة خاصة أقرب الناس إليه ألا وهي زوجته لكنها هي الأخرى التزمت بالرفض وصدت كل برهان قدم لها وإن كان يخاطب العقل قبل العاطفة.

بهذا، أشدد النصح وأطلب من كل قارئ أن يتنازل ولو قليلا ليتفكر في نفسه ومن حوله لربما غاب عنه صلب موضوع أو رأي صائب قدم له. ها قد حضر أول صديق لي بعد طول انتظار لينقطع بذلك سيل كلماتي ضاربا لي موعدا لمرة أخرى.

1xbet casino siteleri bahis siteleri