من منا لم يصادف في أحد المنشورات مثال التخطي سواء بطي الصفحة أو تمزيقها، ومنهم من تعداها لاقتناء كتاب جديد وكأن علاقاتنا الاجتماعية آلية متى ما شئنا نضغط أحد الأزرار فتختفي أو تستبدل، وسأعدكم إن أكملتم هذا المنهج فلن يبقَ من كتاب حياتكم سوى الغلاف، فمن يصبو منا إلى مشوار حياتي مثالي، حياة كاملة، علاقة كاملة، صداقة كاملة يجب أن يتحلى هو بدوره بالكمال، وكما يردد أبي على مسامعي في كثير من الأحيان: “اللي بغاها كلها كيخليها كلها”.
لقد مر ببالي مشهد من فلم كان البطل يلعب دور معالج نفسي، وهو يشرح أن من الممكن أن نجد صديقا نقضي برفقته أوقاتا ممتعة وصديقا آخر نحتسي معه كوب قهوة ونبوح بكل خوالجنا دون أدنى خوف، وآخر نناقشه أمورا في الحياة والسياسة…لكن أن ننتظر من شخص واحد فقط أن يلبي كل ما سبق، فمن غير المنصف ذلك.
بالعودة لفكرة تمزيق الورق أو بالأحرى التخلص من كل ما هو مزعج وإخراجه من حياتنا، سنأخذ مثال الصابون، ألم تتساءلوا لم الصابون المعقم يشار إليه في جميع الإعلانات أنه يقضي على 99٪ من الجراثيم؟ ألم يكن من الأجدر القول 100% ليزيد الإقبال عليه؟ ويقتضي الحال أن 1% من الجراثيم المتبقية وإن كان في الظاهر يطلق عليها مسمى جراثيم إلا أنها مفيدة وتساهم في حماية الجلد من دخول الفيروسات الضارة وتمنع تكاثرها، لهذا وجب الحذر من مروجي حب الذات الزائد عن حده وتقليص دائرة معارفنا بدعوى أن أكثرهم يشبه الجراثيم في مفهومها السطحي والاكتفاء بالعلاقات التي تخدم مصالحنا الخاصة فقط، وكأن الأنا صارت شعار عصرنا الحالي، لكن شتان بين من يغدقوننا بأقوال حب الذات وكأن كل شخص هو محور الكون وبين من يحثنا على أن لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه وأن من دعى لأخيه عن ظهر الغيب نادته الملائكة ولك بالمثل.
كل وسائل التواصل الحالي تجرنا على أبواب الأنا، فلننتبه لما يمكن لهذه الموجة من نشر الوعي المبتذل أن تؤثر فينا ولنمحص النظر في جوهرنا وديننا لعلنا نخرج بأقل الخسائر أو بأكبرها، لا يهم، فالمهم ألا نخسر ذواتنا في الطريق لتعلم إعادة التدوير بدلا من التخلص من الأشياء، فلو رأينا الفضلات بعين واحدة لما أصبحت سمادا تستفيد منه الأرض لتنبت زرعا.
لا يغرنكم من يبيعون الحقائب ذات الملابس البراقة فقط، تعلموا أن تحزموا حقائب الطريق بأنفسكم قد تضم ملابس بالية وأخرى جديدة لكنها بالتأكيد ستكون خاصتكم.
