بين الوهم والحقيقة: وعي المجتمعات الأوروبية

منذ وجودي على هذا الكون والنقاشات الدائرة من حولي تكاد لا تخلو من عبارات تمجيد الوعي الأوروبي، وحتى إن لم يكن للموضوع صلة بأوروبا فالمقارنة حاضرة لا محالة. وأكثر ما يحز في القلب هو أن هذه المقارنات كانت ولا تزال تزيد من حدة الانهزام النفسي الذي يُنتِج لنا -باعتبارنا مغاربة- مركب نقص تجاه الشعوب الأوروبية، مما يُكلف المغرب خسائر طائلة: هجرة الكفاءات، وانعدام الثقة في المؤسسات، وتبخيس واحتقار تدابير الحكومة المغربية من قِبَل المواطنين دون أدنى محاولة لإمعان النظر فيها أو تحليلها.

لقد أبانت لنا جائحة فيروس كورونا المستجد أن شعوب العالم سواء، فقد تباينت التدابير المتخذة من لدن حكومات مختلف البلدان لتطبيق الحجر الصحي حسب طبيعة المجتمع المعني (زجر جسماني بالهند – محاصرة المدن بالصين – غرامة مالية جد مرتفعة بسويسرا – غرامة مالية وعقوبة سجنية بالمغرب…)، إلا أن تفاعل المجتمعات مع هذه التدابير كان متشابها في مختلف ربوع العالم؛ فئة التزمت بما نصته السلطات وأخرى لم تلتزم، لكن نِسَب هاتين الفئتين اختلفت من دولة لأخرى. فكما أكد بروفيسور الأمراض المُعْدِيَة “كيم وو جو”، تعاملت أوروبا بتكبر وتعجرف مع الفيروس مما أدى إلى تفاقم الوضع الوبائي بمعظم دولها، ولما حاولت تدارك الوضع عبر سن قوانين تهدف لمحاصرة الوباء لم تتلق تجاوبا كافيا من السكان، عكس ما حصل بدول أفريقيا الشمالية عامة وبالمغرب خاصة، فبعد ظهور حالات إصابة معدودة شرع المغرب في اتخاذ قرارات استباقية وجريئة: رحلات جوية وبحرية تُعلّق تدريجيا بدءاً من البلدان التي سجلت حالات إصابة بالفيروس وصولا إلى العالم بأسره، دراسة تُوقف، عمل عن بعد، رحلات داخلية تُعلق، مقاهٍ ومحلات ومساجد تُغلق، حظر تجول يُفرض، إجبارية وضع الكمامات الطبية…

أظهر المغرب (ملكا وشعبا ومجتمعا مدنيا وحكومة) استعداده للتضحية فداء للوطن وفداء لضعفائه وحفاظا على استقراره ومكانته: التزام بالحجر الصحي، مكوث في البيوت، نشيد وطني يُدَندَن من الأسطح، تحية احترام لرجال السلطة من شرفات المنازل، مصحات خاصة تُوضَع رهن إشارة الدولة، مطاعم وفنادق تَخْدم الأطر الطبية مجانا، أطباء يوفرون استشارات طبية هاتفية دون مقابل، تبرعات مالية للصندوق الخاص بتدبير جائحة فيروس كورونا.

لا يمكن إنكار تقدم جل الدول الأوروبية في مجالات الصحة والتعليم والقضاء، إلا أن تفشي فيروس كورونا كشف جزءا من المستور وجعلنا ندرك أن أسطورة الوعي الأوروبي المتمثلة في أذهاننا -سامحنا الله جميعا- ليست في غاية المثالية كما يُرَوّج لها.

مقالات مرتبطة

فببريطانيا، تم إحراق ثلاثة أبراج، على الأقل، لشبكات الجيل الخامس بسبب انتشار شائعات تربط بين تفشي فيروس كورونا وأبراج الجيل الخامس، كما أن المواطنين البريطانيين الذين أقدموا على هذا الفعل هددوا عمال الصيانة الذين حضروا لعين المكان بالاعتداء عليهم جسديا!

وبإسبانيا، أقدم مواطن إسباني على النزول إلى الشارع حاملا سلاحين أبيضين هاجم بهما رجال الشرطة، وألحق أضرارا مادية بسيارتين للشرطة في ظل فرض حظر التجول!

وببلجيكا، تم إلقاء القبض على مواطن بلجيكي بعد ظهوره على شريط فيديو في حالة سكر وهو ينثر لعابه في مقطورة مترو من أجل إعداء الركاب الآخرين بالفيروس!

-وبفرنسا، حشود من المواطنين الفرنسيين يخرقون أوامر الحجر الصحي المفروض في البلاد خلال عطلة نهاية الأسبوع، بدعوى جمالية الطقس وبداية العطلة المدرسية رسميا! كما أن نسبة العنف الأسري ارتفعت بالبلد في ظل الحجر الصحي!

كورونا فرصة ذهبية استرجع خلالها المواطن المغربي ثقته في الدولة وجل مؤسساتها، فهل ستنتهي هذه الثقة مع انتهاء جائحة كورونا أم أننا سنشهد عهد مغرب ما بعد الكورونا، مغرب ينصف مواطنيه ويتصالح معهم؟

1xbet casino siteleri bahis siteleri