لماذا العاصفة؟

هناك مقولة لـهاروكي موراكامي تقول: “لحظة انتهاء العاصفة لن تتذكر كيف نجوت منها، لن تتذكر كيف تدبرت أمرك لتنجو، لن تدرك هل انتهت العاصفة أم لا، ستكون متيقنا من أمر واحد فقط، حين تخرج من العاصفة لن تعود الشخص نفسه الذي دخلها، ولهذا السبب وحده كانت العاصفة.” هل هذه العاصفة التي مررنا بها، وهاته التجربة الفريدة جعلتنا نقدر تفاصيل الحياة التي كنا غافلين عنها؟ أم حولتنا لجثث هامدة، لأجساد محطمة لم يتبقَّ منها سوى بقايا أشلاء؟

دعني أخبرك عزيزي القارئ أن التجربة بحد ذاتها، بتفاصيلها، كان من الممكن أن تكون رائعة، لكن نظرتنا كانت قاصرة فقط على الهوامش. أولها أننا دون أي فكرة عن الوجهة التي نحن مولوها، ناهيك عن ماهية الداء التي كانت مجهولة، والذي اكتسب قدرة مدهشة على التكاثر دون توقف.

في لحظة، انقسم العالم إلى قسمين، فئة تؤيد أن تطور الوقاية والبحث الطبي، سيجعل من الممكن أن يقول الناس عن كوفيد-19 “كان” وباء القرن 21. مع محافظتهم على الإجراءات اللازمة بشكل مستمر ومتكرر ومن دون تهاون، حفاظا على سلامتهم وسلامة المجتمع. وفئة أخرى ظلت تتساءل عما إذا كانت الأرقام التي توردها الإحصائيات تعبر فعلا عن هذا الانتشار، معتقدة أنها مؤامرة لعينة تخفي العديد من الأسرار، لأنهم لا يريدون أن يتعبوا أنفسهم بالتفكير، مسيرون بحبال وهمية، لا يدركون شيئا مما يعيشونه.

عاصفة، كلٌّ تعامل معها بحسب نمط عيشه وطريقة استيعابه للمعلومات، معلومات جعلتنا ندرك ما يحدث حولنا، لنأتي بالسلوك الملائم في اللحظة الملائمة. دعني عزيزي القارئ أطرح عليك سؤالا: هل حدث لك وأنت تغادر سريرك صباحا، أن تفكر بأن ذلك الحضن الدافئ لشخص عزيز ستغدو مشتاقا له وهو على ذمة الحياة، وربما يقاسمك نفس البيت؟ أو أن تلك القهوة التي تشربها في نفس المقهى البائس يوميا، ستصبح بالنسبة لك شيئا تتمنى العودة إليه؟ أم ذاك السبات المريح الذي يتلوه يوم مليء بالأنشطة والأعمال والسفر، والذي أصبح لأيام وشهور دون أنشطة كانت سابقا متعبة لك؟

هل فكرت يوما أنك ستصبح ممتنا لكل تلك التفاصيل؟ هل استشعرت كيف كانت حياتك جميلة، صحتك، إنجازاتك، أحوالك التي كانت تسير على النهج الصحيح، بينما هناك رجل ينام وفي عينيه دمعة لعجزه عن سد رغبات أبنائه؟ ورجل تحالفت ضده صحته والفقر، وآخر يرتقب الفرج فقط؟

أستطيع سماع تلك التنهيدة التي تخرج منك بعمق، تلك التنهيدة التي تتكلم عن مائة حكاية بداخلك، ومائة تفصيلة أصبحت ممتنا لها. هذه العاصفة ما هي إلا تجربة لزيادة الامتنان لحياتنا، ما هي إلا بداية صحوة لقوة جديدة وحكمة تضيف معنى لوجودنا في الحياة.

مقالات مرتبطة

بعد تجربة كهاته، لا يستطيع أحد منا أن يتخطى استيعاب أن العالم لا يمكن أن يتحد ويتضامن. جعلتنا أسوياء، اكتشفنا أكثر ما يجمعنا مع أقرب الأشخاص، كفنجان قهوة دافئ مع موسيقى فيروز، وحب مشاهدة الأفلام ومناقشتها، قراءة الكتب وتبادل الأفكار، صنع أطباق شهية لم يسبق لك صنعها، قضاء وقت ممتع مع الأصدقاء من خلال مكالمات الفيديو. حين تستوعب هذه اللحظات والتفاصيل البسيطة، حينها فقط ستدرك تماما ما غيرت فيك العاصفة، جعلتنا نتساءل: هل من الضروري الوصول للحضيض للاندفاع بقوة نحو الأعلى؟ هل من الضروري ذوق المر لاستيعاب ذوق الحياة؟

تكمن الإجابة في مصطلح يتداول في عالم علم النفس، إنه “النمو ما بعد الصدمة”. حيث لاحظ أطباء النفس أن أغلبية الناس اللذين تعرضوا لتجارب مختلفة غالبا ما خرجوا منها بحال آخر مختلف تماما. كل صدمة يتعرض لها الإنسان يتأثر من ثلاث نواحٍ: ناحية شخصية: يركز فيها على نقاط قوته.

ناحية وجودية: تخلق إحساسا جديدا كليا بأولوياته في الحياة.

ناحية اجتماعية: تجدد شعورنا بأهمية علاقاتنا مع العائلة والأصدقاء وقت الشدائد.

يقول تيك نات هان: “اللحظة الراهنة مليئة بالفرح والسعادة، إذا كنت يقظا ستراها.” أي أن السعادة، والرضا واليقظة، هما الترياق الشافي لكل داء، والعقار الذي يداوي كل من يمشي عليه، إنها الحاجة الوحيدة التي تنقصنا لرؤية الصورة الأكبر.

1xbet casino siteleri bahis siteleri