لماذا يتزوج الناس؟

في مقابل السؤال الذي يشغل بال الكثيرين “لم لم أتزوج؟” يبدو السؤال الآخر “لماذا يتزوج الناس؟” أكثر إلحاحا وأوجب للإجابة.
عندما يتأمل المرء في سيرورة مجتمعاتنا وكيف أنها محكومة بقوانين وضعها البعض ليلتزم بها البعض الآخر، يكتشف يوما بعد يوم سطوة التقاليد وسلطة العقل الجمعي الذي يسن التشريعات ويبدو الجميع لوهلة ملزمين باتباعها.
الزواج تلك النتيجة الحتمية لالتقاء روحين وتالفهما وانسجامهما، ذلك الميثاق الغليظ الذي يجمع نفسين ما كان لإحداها أن تلتقي الأخرى لولا توفيق الله أولا وانسجام في القناعات والأفكار وتكامل شخصين تجمع بينهما المودة والرحمة ويخفض احدهما جناح العطف والمؤازرة للآخر.
الزواج في مجتمعاتنا لم يعد كذلك، بل أصبح حاجة استهلاكية تشبه تلك الأهداف الدنيوية التي لا تنتهي، فالمرء كي يصنف ناجحا، عليه أن يقتنص وظيفة يصنفها المجتمع وظيفة راقية، عليه أن يمتلك بيتا وسيارة حتى وإن لم يكن بحاجتها ولكي تكتمل الصورة المثالية للنجاح، عليه أن يمتلك زوجة وبعدها في الحالات الفضلى طفلين أحدهما فتاة والثاني ولد.

هذا عن المجتمعات المرتاحة نسبيا، أما في الزوايا المعتمة حيث يستوطن الفقر فالأمر غير مشابه لهذا، لأن الزواج يصبح مرادف الستر للانثى وحفظ الدين للرجل، الزواج يصبح حاجة للرجل الطائش الذي سيعقل عندما يرتبط بزوجة حكيمة ودعما للعاطل الذي سيجد حافزا للعمل عندما يلتزم بالزوجة والأولاد وهروبا من لقب العزباء للمرأة التي لا يكف الأهل والجيران عن مساءلتها عن شطارتها في الايقاع باحدهم.

مقالات مرتبطة


الزواج النتيجة الحتمية لحاجة ملحة لم يعد كذلك، فالأمر أصبح أشبه بما تقوم به الشركات عندما تخلق الحاحة لدى المستهلك وتجعله مهووسا بكل منتج جديد حتى وإن لم يكن بحاجته.
كذلك الزواج يكسيه المجتمع بهالة من القدسية الواهية حيث يصوره الخلاص للمشاكل النفسية وللفراغ العاطفي، فيصبح السعي للزواج أهم بكثير من اختيار الشريك الذي ستحلو معه الحياة.
الآخرون يصورون دائما لغير المتزوجين- “الحالمين” على حد تعبيرهم- الحياة وكأنها صراع وحرب دائمين لن ينعم فيها المرء بالسكينة وأن الكمال غاية لا تدرك في الحياة الدنيا، لذا يحل محل الأحلام تلك الواقعية المقيتة التي تصل حد السوداوية والتي تجعل الحياة دار شقاء وصبر لا ينتهي…فالفتاة عليها أن تقبل بذلك العريس “المثالي” كي لا تصنف فاشلة حتى وإن كانت أحلامها تسع الكون على شساعته، عليها أن تغض الطرف عن الكثير من العيوب لأنها بدورها لا تخلو منها، عليها أن تحد من طموحاتها وترضى بما يرضي الأهل والجيران ويمثل “لقطة” لهم، ليس عليها أن تكون متطلبة فتشترط درجة معينة من الثقافة وقدرا من الوعي وكثيرا من التفهم والانسجام، فالتفاهم يأتي بعد الزواج والحب كذلك قد يأتي بعده وإن لم يأت فالعشرة كفيلة بخلق الألفة والألفة أهم من الحب.
هو بدوره عليه أن يتزوج ابنة خالته لأنها مناسبة له، أو ربما عليه أن يكون واقعيا ويرضى باختيار والدته له وعليه أن يرضخ لوالديه إذا ما هدداه أنهما سيقاطعانه إذا ما تزوج بتلك التي طالما تمناها.

سيكون المجتمع أكثر تقبلا لشروطه رغم ذلك، سيتقبل أن يطلبها جميلة وموظفة ومثقفة وسيدة بيت ممتازة وذات خلق ودين وسيستشهدون بالحديث النبوي مرارا، رغم أنهم لم يدركوا عمقه أبدا…وسيعيبون عليها أن ترفض أحدا دون إبداء أسباب لأن عدم الارتياح سبب كاف بالنسبة لها، لكنه ليس كذلك بالنسبة لهم.
وبين هو وهي كثيرون يستمرون في الارتباط بنفس الطريقة التي ارتبط بها اباؤهم وأجدادهم، مستمرين كذلك في إنتاج نفس الأخطاء التي سبقهم اليها اسلافهم.


ستكون النتيجة الحتمية لزواج تضيع فيه الأهداف ومعنى الاستخلاف والتكامل والتآزر والتراحم، مشاكل بالجملة؛ زوج لا يدخل منزله إلا اخر النهار، يتناول وجبته ويتوجه رأسا لمخدعه، دون أن يعرف إن كانت تلك المرأة بخير أو إن كان صغاره قد اكلوا ام هل هم بحاجة لحضن منه كي يشعروا بالامان.
سيكبر الصغار وسيخرجون لمجتمع يشكلهم كيف يشاء، لأن أمهم لا تجد الوقت الكافي لتفعل، فهي تعود كل يوم بعد آذان العشاء، تدخل رأسا إلى مطبخها، تضع الملابس في الغسالة إن وجدت، ترتب ما خربه الأولاد وقد تنسى أن تسالهم “كيف حالكم؟”.
سيعيش الجميع في بيت يفتقد للحب، فالأم لا تكف عن الشكوى من كثرة الأعباء والأب لا يكف عن التذمر من الطلبات، قلما يمر يوم دون شجار وفي أحسن الأحوال ستمر الأيام دون كلام.
لن تكف هي عن التحسر على استعجالها في الزواج ولن يكف هو عن الندم على سوء الاختيار وبينهما أطفال يفتقدون لمن يستمع إليهم ويغدق عليهم بعض الحنان، ستواصل هذه الزيجات إنتاج أشخاص غير قادرين على الحب والعطاء ولا يدركون ماهية دورهم في الحياة، سيضيعون طريقهم مرارا قبل أن يجدوا مخرجا منه إلى بر الأمان.
وهنا يلح السؤال من جديد “لماذا يتزوج الناس؟” إن لم يكونوا قادرين على أن يحبوا بعضهم ويحبوا أبناءهم، لماذا يتزوج الناس إن كانوا سيرتكبون نفس الأخطاء بنفس الغباء البشري، لماذا يتزوج الناس إن كانوا لن يكونوا قادرين للبوح لبعضهم بمخاوفهم ودعم بعضهم في أوقات الشدة قبل الرخاء…
لماذا يتزوج الناس إن كانوا سيتخلون عن بعضهم إذا ما حل المرض والفقر وتحول وجه المرأة الجميلة إلى ملامح تكسوها التجاعيد، لماذا يتزوج الناس إن كانوا غير قادرين على الحفاظ على جذوة الأمل مشتعلة بينهم وعلى بريق عينيهما كما الأيام الأول.
لماذا يتزوج الناس إن لم يكونوا قادرين على التحاور والتواصل وتجاوز الأزمات بأقل الخسائر، إن كانوا غير قادرين على الاستمرار في النظر لبعضهم بذات الشغف وبكثير من العطف.
لماذا يتزوج الناس إن كانوا لا يستطيعون اعمار بيوتهم بالمودة والرحمة وخلق السعادة من أبسط الأشياء…إن كانوا غير قادرين على إشعار بعضهم بالدفء والأمان، إن لم يكونوا قادرين على مجابهة هذه الحياة معا…لماذا يتزوج الناس إن كانوا سيغرقون في دوامة الحياة مواصلين الجري ثم الجري دون أن يدركوا مغزى عدوهم.
لماذا يتزوج الناس إن كانوا سيواصلون معاتبة أنفسهم على التعجل والشكوى في المقاهي والمناسبات…لماذا يتزوج الناس إذا لم يكن الحب هو الدافع وهو فقط.

1xbet casino siteleri bahis siteleri