لم اللغة مهمة إلى هذا الحد؟

يقول مصطفى صادق الرافعي: “وليس في العالم أمة عزيزة الجانب تقدم لغة غيرها على لغة نفسها!” ويقول أيضا: “وما ذلت لغة شعب إلا ذل، ولا انحطت إلا كان أمره في ذهاب وإدبار ، ومن هذا يفرض الأجنبي المستعمر لغته فرضا على الأمة المستعمرة، ويركبهم بها، ويشعرهم عظمته فيها، ويستلحقهم من ناحيتها، فيحكم عليهم أحكاما ثلاثة في عمل واحد: أما الأول فحبس لغتهم في لغته سجنا مؤبدا، والثاني فالحكم على ماضيهم بالقتل محوا ونسيانا، وأما الثالث فتقييد مستقبلهم في الأغلال التي يصنعها، فأمرهم من بعدها لأمره تبع.”

وأقول: لما طرد الأوروبيون المسلمين من الأندلس حرصوا أشد الحرص أن يقتلعوا كل ما له صلة بهويتهم على تلك الأرض، فأقاموا محاكم التفتيش وأحرقوا كل مخطوط أو كتاب خط باللغة العربية ومثلوا بكل رأس وكل دماغ اشتموا فيه ريح العربية!

ولما استعمرت فرنسا بلدان أفريقيا حرصت أشد الحرص أن تبتر كل شريان يربط هذه الشعوب بلغاتها وعملت بكل الطرق الممكنة وأبشعها على وجه الخصوص على ضمان قيام منظومات هذه البلدان التعليمية والإعلامية على اللسان الفرنسي حتى بعد عقود من خروجها منها!

ولما خرجت اليابان من الحرب العالمية الثانية مهزوما مكسورا مقصوفا ومدمرا عرف ناسه أن النهضة تكون بالبشر، والبشر كيان إيجابي حين يكون واعيا متعلما، ولكنهم حرصوا أشد الحرص على أن يتعلموا كل شيء بلغتهم.
لماذا إذن يحرص الغزاة باستماتة على محو لغات الشعوب التي يغزونها؟ ولماذا نرى الشعوب العظمى اليوم أشد الشعوب تشبثا بلغاتها وابتعادا عن تبني ألسنة الغير؟

لأن اللغة ببساطة هي الهوية، هي التاريخ، هي الدليل القطعي على وجودك والرخصة الثابتة للاستمرار في الوجود. وكل قطيعة مع لسانك هي قطيعة مع ذاتك، وتفريط في أبسط حقوق وجودك، بل وترخيص لصاحب اللسان الذي تستبدل به لسانك أن يستعمرك فكريا ويملي عليك أسلوب الحياة، وبالتالي ضياع وشتات أبديين، لهذا السبب كانت اللغة على مر التارخ هدفا استراتيجيا لهدم الحضارات وبناء حضارات أخرى على أنقاضها.

هذا ونحن نتحدث عن أهمية اللغة كمكون ثابت وأساسي لهويات الشعوب والأمم فكيف إذا كانت لغتك هي اللغة العربية، لغة أعظم كتاب على وجه البسيطة وهو القرآن الكريم، ولغة أعظم حضارة عرفتها الأرض وهي الحضارة الإسلامية، واللغة التي يفشل كل علماء اللغويات واللسانيات في نكران تميزها حتى أشدهم عداء للعرب والمسلمين.

إن لغة متينة كهذه لا يفرط فيها إلا أحمق أو جاهل، ولا يخدمها إلا عاقل عالم يعرف موقعه من العالم والوجود.

1xbet casino siteleri bahis siteleri