لنا في الغربة وطن

هل فكرت يوما في أنه يمكن تخيل الجوانب المظلمة من الأشياء بالرغم من عدم مواجهتنا لها كالاغتراب عن الوطن مثلا، و حتى لا نحصر كلمة وطن في بقعة أرضية، بنايتين، بقال و مدرسة ستتبنى المفهوم الجوهري للوطن بما يحويه من أشخاص، نسيم الصباح، ضجة الجيران، رائحة القهوة، صراخ أمك و طرقات حيك المرقعة بالإسفلت..




ألا يمكنك الآن التخلي عن فكرة المثالية الزائدة عن بلادالغربة و إطلاق العنان لعقلك حتى يتصور كل ما يمكن أن يكون سيئا؟ مثلا، فكرة عدم الانتماء فقط ستستدرجك نحو متاهة من التساؤلات؛ ما الذي دفعني إلى الرحيل؟ أو ما الذي أذنبه وطني حتى استغنيت عنه؟ أو ما ذنبي أنا  لأحرم من شعور الانتماء و حب الوطن حينها ؟ كلها أسئلة كفيلة بأن تجعل أيامك اشد صعوبة مما تتخيل.حتى أنني أكن كل الاحترام لكل أولائك الذين يحتفون و يقدسون الأعياد الوطنية ٬الذين يضعون أعلام أوطانهم على بروفايلاتهم الشخصية و الذين لم يتوقفوا يوما  عن ترديد (عاش الشعب عاش الوطن عاشت الوطنية ).
 
مقالات مرتبطة
مع إنني على يقين بأنني لن أكون أبدا منهم، و من المستحيل أن اعبر لذلك الوطن الذي أنجبني و لو بقليل من الحب و الامتنان.و لو كتبت القصائد عن دمشق الجميلة و تغنيت بفلسطين الجريحة إلا وطني لن يجد مني و لو كلمة شكر واحدة. لكن بالرغم من كل هذا و بالرغم من تلك الصورة القذرة التي كوناها عن ذاك الملجأ البريء نضل و بكل صراحة لا غنى عنه و عن شحنات الحنان و الحب و الراحة التي يزودنا إياها في كل مرة تلمس أرجلنا أراضيه المتهرئة، كل مرة نتنهد تنهيدة الوصول و تنهيدة النجاة من جحيم الغربة.




‎ ما السيئ في الاغتراب؟ ما السيئ في الرحيل إلى وطن وفر لي التعليم اللائق،  و التغطية الصحية اللائقة و الأمن و المسكن و من الممكن الحصول على منحة دراسية إن تطلب الأمر. التخلي سيئ، أن تتخلى عن أسرتك الصغيرة،  أصدقائك،  حيك،  عن عاداتك و عن هويتك؛أن تحن لنفسك قبل أن تحن لأي شيء أخر سيئ جدا. العودة سيئة أيضا، أن تعود و قد بنيت التزامات في الوطن الجديد فتصبح أيام بقائك محدودة، ثم حينها تصبح ضيفا بين اهلك و أصدقائك. الكل يعوض إلا نفسك التي فقدتها و أنت تحاول أن تعتاد على بيئة غريبة عنك؛ و المخيف أن تعتاد فتجف مشاعرك و يخف حنينك و يتصلب قلبك و تختفي دموعك؛ المخيف أن تدمن العمل و تدمن الدراسة فتكتسب صفاتهم و تنسى من أنت؛مخيف أن تنسى كيف تحب و كيف تعيش فيصبح طموحك شهادة و وضيفة و الاستقرار ببلد ليس لك و إن مكثت فيه مائة عام ستضل غريبا عنه كما سيضل غريبا عنك. لكل طالب مغترب أرجوك لا تعلق أحلامك بجواز سفر أوروبي ،أمريكي أو أخر.لا تجعل الاعتياد يقتل لديك فكرة الرجوع و يجعلك تكره وطنا علمك معنى الوفاء فخنته. أحبوا أوطانكم و عودوا لتغيروا فيها و لو قليلا.
‎شكرا لغربة بفضلها عرفت معنى الوطنية و أحببت نفسي و هويتي قبل أن أهيم بأهلي و أصدقائي  و لذلك فقط ”لنا في الغربة وطن




1xbet casino siteleri bahis siteleri