ماذا لو كان هذا آخر أيام حياتك؟

الحياة أكبر خائن نتعامل معه، ذلك أنها تغرقنا بأوهامها، وتعطينا أملا كاذبا بأنها لن تتركنا أبدا، لكن لا مفر من ذلك اليوم الذي ينقشع فيه الضباب الكثيف، وتظهر الحقيقة الكبرى التي لم نكن نلقي لها بالا طوال مدة نشوتنا الكاذبة التي تسمى الحياة، ثم يأتي يوم تودعُنا الحياة، أو نودعها لست أدري! ثم نلتقي بذلك الغائب الذي طالما توهمنا أنه لن يزورنا في يوم من الأيام، إنه هو نفسه ذلك الغائب الذي يأتي بغتة، يفاجئنا، لكنها مفاجأة سارة أو غير سارة لست أدري، يتوقف ذلك على رؤية كل منا للكون، والإنسان، والحياة أو بعبارة أخرى المعنى.

قلت: يأتي ذلك الغائب ليختطفنا من كل ما نحن فيه، سواء أكان ما نحن فيه شقاءاط وعذابا مرا، ومعيشة ضنكة، أو كان ما نحن فيه نعيما مطلقا، -المعذرة لو كان نعيما مطلقا ما كان لذلك الزائر أن يختطفنا منه-، نعم يأتي ذلك الزائر الذي يعرفه الجميع، لكن لا يعرفه أحد! يعرف الجميع أن اسمه هو “الموت” لكن لا أحد جربه وحدثنا عنه، فهي تجربة واحدة تخوضها، لكنها وللأسف ليست من قبيل تلك التجارب التي يمكن أن تتحدث عنها بعد تجربتها؛ لأنها آخر شيء تجربه في الحياة…إنها “الموت” هي نهاية القصة، هي نهاية الحكاية، ليس بعدها حديث ولا كتابة، ولا فنجان قهوة تحتسيه وتحكي عن التجربة للرفاق، سواء أكانت تجربة غرامية أو تجربة في البيع والشراء أو تجربة حرب…لن يكون في مقدورك أن تكتب عن تلك التجربة بعد أن تخوضها، ولا أن تحدث أحدا عنها لكي يستفيد الدرس إنها شيء تتذوقه وحدك، ثم تمضي وحيدا في رحلة ليست كغيرها من الرحلات…

إنني الآن أفكر مع نفسي؛ ماذا لو كانت هذه الكلمات التي أكتب هي آخر كلمات لي في الحياة؟ ماذا لو علمت علم اليقين أن الساعات التالية، أو لأقل اليوم التالي هو آخر يوم لي في الحياة، ماذا علي أن أفعل في اليوم الأخير لي في الحياة؟
آه كم هو صعب الجواب عن هذا السؤال مع بساطته، وكم  هي كثيرة تلك الإجابات التي يحتملها هذا السؤال؟
ماذا لو فكر كل الناس في هذا السؤال كيف ستكون الإجابة عنه؟
للمرة الثانية أعود فأقول: إن المعنى من الحياة لدى كل منا هو ما سيحدد الجواب عن هذا السؤال؟
لعل واحدا من الناس يقول: إذا كان هذا آخر يوم في حياتي فلم لا أعجل؟ ولتكن آخر دقيقة لي في حياتي عوض آخر يوم! فكم من الناس يخافون من ذلك الضيف الخاطف الذي اسمه الموت؟ وخوفهم منه قد يدفعهم إلى اللجوء إليه كخلاص منه! لعل هذا الواحد سوف ينهي حياته قبل أن يحين الموعد.

لعل آخرا سيفكر فيما بعد الموت، وسيجهز لجنازته، ويودع الأهل والأحباب، لعله سيزور المقبرة ليستأنس بساكنيها، أو سيحفر قبره ويجرب الشعور الذي يوجد داخل القبر ، أو سيختار نوع الورود التي يريد أن يزين قبره بها؟

لعل الثالث سيرتدي أجود أنواع الثياب، ويحتسي أفضل زجاجة خمر ويستمتع بآخر لحظاته في الحياة.

لعل متدينا سينقطع عن العالم وسيتهيأ لليوم الآخر، سيدخل في صلاة طويلة خاشعة تقطع عنه الشعور بالحياة الدنيا، وينتقل بروحه اختيارا إلى حيث ستنتقل اضطرارا.

مقالات مرتبطة

لعل أما ستبكي على أطفالها الصغار الذين ستفارقهم، لعلها ستطبخ لهم ألذ ما يشتهون، لعلها ستحتضنهم بقوة كفيلة بأن تسقط السماء، لعلها ستدمع مقلتاها وينساب الدمع ساخنا ليلامس جباه أطفالها، ويلمح الأطفال نظرة البراءة تلك في عين أمهم، ويقول أحدهم: “لا تبك يا أمي سأكبر لأحمل عنك أعباء الحياة!”، فتنظر الأم في أعينهم وتنهار من شدة ما بها…لعها أخيرا ستقول للولد البكر اعتن بإخوتك…فيفهم المغزى وحده من دون إخوته ويحتضن أمه ويصرخ بملء فيه لا لا لا…

لعل واحدا من الناس سوف يطأطئ رأسه ويبكي على كل لحظة عاشها، أو لعله سيضحك على كل الآلام التي عاشها، على كل لحظة حزن عاشها وعلى شيء تافه لم يحققه في هذه الحياة، على كل الأشخاص الذين أعطاهم أكثر مما يستحقون، على كل تلك اللحظات التي قضاها يعمل من أجل عمل ظن أنه ذا بال، ثم تبين له في هذه اللحظة بالذات أنه لا شيء مما عاشه يستحق.

أما أنا فلازلت لا أعرف إلى الآن ماذا سأفعل، ولا أي شعور سيعتريني في تلك اللحظة، إنني الآن أناقض نفسي، فمنذ دقيقة قلت: ماذا لو كانت هذه آخر الكلمات في حياتي؟ لكن تبين أن تلك الكلمات لم تكن الأخيرة! وها هي الحياة الخائنة الكاذبة تغويني مرة أخرى وتقول لي:  ليس عليك أن تطرح هذا السؤال! فلايزال هناك متسع، لا يزال هناك الكثير لتعيشه، ولتفكر فيه، ولتعمله أعلم أنك كاذبة أيتها الحياة أعلم ذلك!؟

لذلك عندما أفكر في هذا السؤال وعندما تعتريني هذه الحالة لا أفكر في نفسي، بل أفكر في كل الذين عرفتهم،  أفكر في أولئك الذين كنت سببا في شقائهم، أفكر في كل إنسان سببت له لحظة حزن، أو لحظة قلق، أو لحظة شعور بالنقص، أفكر في كل الذين جرحت مشاعرهم ولو للحظة واحدة من الزمن، ولو كان السبب كلمة واحدة لكنني الآن أفكر فيهم…

لو كانت هذه آخر اللحظات في حياتي ستكون أمنيتي هي أن أخرج من الحياة وقد سامحني كل الذين عرفتهم، لو كانت هذه آخر لحظاتي لن أفكر في من أسديت لهم معروفا، ولا من ساعدتهم، ولا من خدمتهم، ولا من كنت لهم خير مثال…فكل هذه الأمور كانت من واجبي في الحياة! إنما سأفكر في إخلالي بالواجب، سأتذكر كل ذنوبي وأندم ندما شديدا على كل ما مضى، لن أتذكر تلك الأشياء الجميلة، سأتذكر فقط تلك الأشياء القبيحة التي انضافت إلى سجلي في الحياة…سأتذكر أيضا كم الإساءة التي أسأتها إلى نفسي في كل الحياة، ثم سأتذكر بأي نتيجة أخرج من الحياة، عندها سيعتريني حزن عميق، إنني أعلم أن ذلك الحزن كفيل بأن يقطع أوصالي، كفيل بأن يعجل موتي قبل أوانه لكنها الحقيقة.

ذات يوم أخبرني رجل مسن، أنه عندما يبلغ الإنسان آخر عمره، ويدرك بأن النهاية قد اقتربت، لا يتذكر إلا الأشياء القبيحة التي قام بها، أما الأشياء الحسنة فإنه لا يتذكرها. نعم سيتذكر شخصا أساء إليه، ثم يبحث عنه ويسأل والندم يعتصر قلبه لكنه سيخبر بأن صاحبه قد مات منذ زمن…

ثم تعود إلى نفسك وتسألها بعد كل هذا: لمَ؟ ما الغاية؟ أي نتيجة حصدت؟
فتجد أن الحياة كانت أكبر كذبة صدقتها، كانت أكبر خائن تعاملت معه، كانت هي نفسها موتك!
ثم تتشابك المعاني وتتبعثر داخلك لتدخل في دوامة من التيه والحيرة، ثم تفقد نفسك أو تسقطها خلفك وتمضي!

1xbet casino siteleri bahis siteleri