مسؤولية النخبة في الإصلاح

تابعت خلال الأيام الماضية بشغف كبير ما قامت به مؤسسة خيرية في المغرب من أعمال تطوعية لفائدة ساكنة إحدى القرى النائية الواقعة بين جبال الأطلس المتوسط، أعمال تنوعت بين حفر الأبار وتوزيع الهدايا على الصغار وتجهيز الفصول الدراسية بسخانات التدفئة، خاصة وأن المنطقة تعرف موجات برد حادة خلال هذا الوقت من السنة.

ما أحببت التطرق إليه في القادم من الفقرات هو هذا النموذج الذي قدمه لنا المشرفون على هذه المبادرة الخيرية، مقابل ما أراه أقرب ما يكون إلى حالة ركود عام تعرفها النخبة في المغرب.

لنقر في البداية أنه كان بوسع من شاركوا في هذا العمل التطوعي أن يمضوا أيام فراغهم مع أقربائهم دون أن يكترثوا لحال كثيرين في المداشر والقرى، حيث الطرق غير معبدة، والخدمات الاجتماعية البسيطة محتشمة إن وجدت أصلا، ولكن، يبدو أنهم تجاوزوا سقف المأرب الشخصي ومنطق النجاح الفردي إلى مستوى التأثير في المجتمع، وهذا هو دور النخب في الحقيقة؛ إذ لا يرجى صلاح في مجتمع نخبه غير مبالية بالوسط الذي ولدت من رحمه.

مقالات مرتبطة

والمتابع للأحداث في بلادنا، لا شك أنه يلحظ أننا نعيش أزمة نخب حقيقية، فغالبية من قد نصنفهم في خانة “النخبة” ينظرون إلى العامة بكثير من التعالي وغير قليل من اللامبالاة، وكأن لسان حالهم يقول: “من بعدي أنا الطوفان” إذ يعتقد الكثير من المحسوبين على النخبة أن عموم الناس من بني جلدتهم ومحيطهم لا يستحقون العيش في جو من الرخاء الاجتماعي، لا يستحقون الديمقراطية، لا يستحقون نيل حقوقهم البسيطة التي نصادق عليها في الاتفاقيات الدولية، يعتقدون أن قدرهم أن يرزحوا تحت وطأة الفقر والمعاناة. يقولون كما كابدنا نحن من أجل أن ننجح أكاديميا ومهنيا، فليعاني الآخرون مثلنا، لا يفكرون ولو للحظة واحدة في مد يد العون للآخر إن بالانخراط الجاد والإيجابي والخلاق في السياسة، باعتبارها أوسع باب للتأثير والإصلاح مع كل المصاعب التي يفرضها هذا الخيار، أو بالنضال الفكري وما يتطلبه من انخراط في نشر المعرفة وبث حالة من الوعي داخل المجتمع خاصة فيما يتعلق بالقضايا العامة التي نشترك فيها جميعا باعتبارنا أبناء هذه الأرض.

لذلك، فمن توصف عادة في بلاتوهات الأخبار وفي منصات المؤتمرات بأنها نخب سواء أكانت نخبا سياسية، أو فكرية، أو اقتصادية، لا تقوم بدورها على أكمل وجه، ودورها الحقيقي هو تأطير المجتمع والتواصل معه باستمرار بما يقودنا جميعا نحو مستويات تنمية أعلى. المنتظر من النخبة هو الحركة والدينامية والانخراط المجتمعي بكل أخلاقية وتجرد من الأنانية، ولربما كان هذا أول ما أشار إليه الأستاذ علال الفاسي في “النقد الذاتي”، وقد كان محقا وهو يلح على ضرورة الانسلاخ من الأنانية.

المسألة الأخرى والتي لا بد من الإشارة إليها، هي أن النخب كثيرا ما تفرزها بيئات مختلفة تماما عن بيئة العامة إن على الصعيد الفكري أو الاجتماعي، وهذا أمر يفسر إلى حد ما ركود النخب وعدم تأثيرها على المجتمع، فمن الطبيعي للغاية ألا يؤثر من وجد منذ أن كان صغيرا كل الخدمات دون أي إشكال أو معاناة، فهو يعتقد أن الأمر كذلك في كل أنحاء البلاد، وهذا أمر بدأ الكثيرون بالتنبه له، وهو ما نعبر عنه دائما حينما نقول إننا نعيش في مغرب بسرعتين مختلفتين، وهذا مما قرأته في كتاب “le Maroc à bâtons rompus” للدكتور حميد البوشيخي. لذلك، وكما قال الدكتور حسن أوريد في “من أجل ثورة ثقافية بالمغرب”، لا بد أن تكون المدرسة العمومية في المغرب مشتل النخبة، فهذا من شأنه أن يحرك شيئا في دواخل النخب، إذ على الأقل، سترى نفسها مكان أولئك الأطفال الذين يكابدون وهم يدرسون في المدرسة العمومية.

كما سبق لي أن أشرت في مقال سابق بعنوان: “في معاني النجاح والأخلاق” على منصة “معاني”: النجاح الحقيقي لا يمكن إلا أن يكون مقترنا بالإحساس بالمسؤولية الأخلاقية تجاه المحيط والمجتمع، وهذا ما عبر عنه هؤلاء المتطوعون الذين حدثتكم عنهم في مستهل المقال، فلم تلههم أموالهم ولا أولادهم عن مد يد العون لأولئك الذين ما زالوا يطمحون لطريق معبدة، وشربة ماء طاهرة، ومنزل دافئ في عز ليالي الشتاء. ووسط هذا كله، لا بأس في أن يسأل كل واحد منا نفسه عما يصنعه أو عما يطمح أن يصنعه مستقبلا حتى يعبر عن وجوده ونجاحه إن كنا نحسب أنفسنا ناجحين حقا، وفي مقدمة من يجب أن يطالهم السؤال النخب، إذ ينتظر منهم أن يكونوا فاعلين حقيقين لا مجرد أشباح حتى نستطيع جميعا الارتقاء بواقع التنمية ببلادنا.

1xbet casino siteleri bahis siteleri