قراءة في رواية عداء الطائرة الورقية لخالد حسيني

“لأجلك الف مرة ومرة” أعدك عند قراءتك مرة أخرى لهذه العبارة، لن تكون قراءة سطحية، بل ستتبادر إلى ذهنك كل الأحداث، والكلمات والأماكن. ستصاب قطعا بدوار فظيع وستسترجع كل الآلام والمشاعر التي رافقتك مع هذه الرواية.
عندما أغلقت آخر صفحة من أصل 508، لم يسعني إلا أن أقول شكرا عزيزي أمير، شكرا حسان، لن أنساكما على مر الدهر، ما قدمتما لي سيبقى قابعا في دهاليز نفسي دائما وأبدا، هي رواية لن تستطيع ذاكرتي محوها أبدا.

قبل فترة كانت القنوات الإخبارية ومواقع التواصل الاجتماعي تعج وتتداول عدة أخبار عما يقع في أفغانستان، وللأمانة لم أعر الأمر اهتماما، لكن، بعد قراءتي ل “عداء الطائرة الورقية” لُمْت نفسي لجهلي بقضية إنسانية كهذه، تيقنت تماما أن أفغانستان تعيش داخل جحيم منذ الأزل، لكن العالم لا ينبس ببنة شفة لأنه خاضع لإيديولوجية سياسية تحاول جاهدة تبسيط خطورة الاستعمار وتزيينه ووضعه داخل إطار يحيط به إكليل التزييف والتزوير، مكتفين باحصاء عدد القتلى والشهداء دون يتكبد عناء ذكر أسمائهم حتى.

هذه الرواية مفجعة، عاطفية، قاسية ومبكية للغاية، ولن تتحمل أحداثها إن كنت ذو ا قلب ضعيف لأنها توغلت في نفس القارئ ببراعة عبر وصف أفغانستان الثرية ذات الحضارة العريقة.

كم أحببت لقب “أغا” الذي يلي اسم كل أفغاني وكم أحببت لغة الأفغان وتاريخم وتقاليدهم حتى شعرت أنني واحدة منهم، راق لي حبهم وتقديسهم للكتب والقراءة.
صورت الرواية الجمال الطبيعي من أشجار الرمان الطازج وحقول عباد الشمس الضخمة ومهرجان الطائرة الورقية وكذا بحيرات الصيد في *كابل* وهي عاصمة أفغانستان قديما والتي أضحت هي وكل البلاد خرابا بين ليلة وضحاها بسبب الطائفية والعنصرية القبيحة التي كانت بين “البشتون” الطبقة الغنية و”الهزارة” الطبقة المنبوذة والأقلية التي أحببتها جدا لطيبة ووفاء أهلها، لكن تلك العرقية كانت سببا في جعل الشعب الأفغاني في صراع متوارث ودائم.

مقالات مرتبطة

بينما الأفغان منشغلون بهذه الحرب الأهلية كانت الذئاب تخطط لغزوها والتربع على عرشها فتمت الإطاحة بالنظام الملكي، وانتهك الاتحاد السوفياتي حرمة البلاد، ومن هنا بدأت سلسلة من أشد أنواع العذاب والاضطهاد، هاجر الكثير من الأفغان إلى أمريكا للبحث عن العيش الرغيد والحياة الهادئة والخالية من أصوات الدبابات والأسلحة وتحطيم البيوت، لكنهم خانوا بلدهم إذ تركوها بيد من هم أشد وطأة من الروس.

ظن الشعب الأفغاني أن حركة طالبان ستخرجهم من مستنقع الحرب لكنها ما زادت الطين إلا بلة؛ لأنها نهشت أفغانستان بمخالب الإرهاب بكل وحشية وبدون رحمة، طمست ونهبت كل شيء جميل بأفغانستان، لم يعد هناك حب أو حرية، ولا حتى حياة. عايشت معاناة الأفغان وشفقت عليهم من تسلط وظلم طالبان ونهجها لتعاليم الدين للإسلامي بطريقة لا تمت للإسلام بأية صلة، فقد دنسوا طهره وشوهوا سمعته، لكن الدين بريء من هذه الوحوش الآدمية براءة الدم من قميص يوسف.

كم كان قلبي يؤلمني على ما تعانيه النساء من اغتصاب وتهميش لحقوقهن البسيطة؛ كمنعهم من التعليم والعمل وتزويجهم في سن صغيرة جدا، تخيلي عزيزتي أنك إذ ما رفعت صوتك في الخارج سيكون مصيرك الإعدام لأن صوت المرأة عورة، لك هذه، إن خرجت دون الحجاب أو البرقع في أفغانستان أو خرجت دون محرم فستكسر عظامك، لم تتوقف طالبان هنا بل فرضت على الرجال اللحية واللباس الطويل، ومن يعصي فمصيره القتل أو الضرب المبرح. كم ذرفت من الدموع حين كان حسيني يصف الخراب الذي حل بأفغانستان، دور أيتام مخربة ولا تتوفر فيها ظروف العيش ولكنها رغم ذلك مكتظة بأيتام قتل آباؤهم على يد طالبان، بنيات تحتية مهمشة، منازل مهترئة، أطفال مشردون على قارعة الشوارع، لا وجود لأي صحافة أو كاميرات أو هواتف لأنها ضد الإسلام، كل زائرا لها يقف مصعوقا وسؤال واحد يتردد بداخله هل هذه حقا أفغانستان؟

ليشهد الله أن مشاعر مختلطة اعترتني من اشمئزاز وخوف وكره وفرح وحب وغضب ونضال وكذا الذهول لهول ما رأيت وقرأت، لم أكن أستطيع النوم من فرط التشويق إذ كنت ألتهمها بنهم حتى أعرف ماذا سيحدث وهل الفرج والنصر قريب؟ داهمتني في أحلامي ويقظتي، كنت أشعر بطعم الكلمات في فمي، كرهت طالبان وأعمالها الوحشية، ولا أعلم كيف استطاع حسيني أن يحتلني ويستهلك دموعي كافة هكذا. لقد أزاح سترة الجهل من أمام بصري، عرفت حقا أفغانستان والشعب الأفغاني.

إنها رواية فائقة الجمال تحدثت عن الخطيئة والندم، عن الذنب والتكفير عنه ولو بعد حين، عن الطفولة البريئة، عن الصداقة الحقيقية، عن الخيانة والوفاء. عن حب الآباء غير المشروط، عن علاقة الابن والأب، عن الظلم والعنف والإرهاب وقمع الحريات، وأخيرا عن الحب الطاهر والنقي، كل هذا وذاك تجده بين صفحات هذه الرواية.
في النهاية، الشعب الأفغاني خلق حرا لا أسيرا خلق ليعيش بأمن وسلام لا للعيش في بؤس وتخويف فبأي حق تقومون بتجهيله وقمعه والتحكم به قسرا؟ من لم يقرأ لخالد حسيني لم يعرف أفغانستان.

1xbet casino siteleri bahis siteleri