أمور حياتنا.. رهينة بنتائجها

كثيرا ما نسمع من أغلب الناس تُردّد على مسامعنا عبارة “العبرة بالخواتيم”، ناسيينَ دور كلّ المراحل التي يمرُّ بها المرء طيلة أيام حياته، بداية بمساره الشخصي والدراسي بكل أسلاكه، ثم المهني والوظيفي.. إلى أن تصلَ نهايته على هذه الدنيا الفانية..

إنّ من يفكّر ويدرك ويغوص في معاني هذه العبارة، يجد أنَّ لها أبعادا شمولية وجامعةً لكل جوانبِ وميادين الحياة بأكملها، منذ ولادة الإنسان إلى حين وفاته، ففي نظري، يجب إسقاطها على جميع مناحي الحياة ومجالاتها.. فالأمور مرهونة بنتائجها النهائية وعواقبها.. هنا أريد أن أسأل عن أي نهاية يتحدثون ويقصدون؟ أليست نهاية كل قصة، بداية لقصة أخرى جديدة، لأن هذه هي سُنّة الحياة.

إذن حسب رأيي هناك نهايتان:
– النهاية الأولى وهي سلسلة من النهايات التي تمر بحياة الإنسان منذ ولادته إلى أن تفارق الروح جسده.
– النهاية الثانية وهي نهاية حياة الإنسان على هذه الدنيا الفانية، والانتقال إلى الآخرة الأبدية.
فالأولى سهلة نوعََا ما لأنه يمكن للمرء أن يتداركها ويُعيد المحاولة مرةَ تلوَ الأخرى إلى حين تحقيق الهدف المنشود.. أما الثانية فليست هناك فرصة أخرى فيها.

بدايةً، سأتحدث عن النهاية العظيمة والحتمية لكل الكائنات الحيّة بأكملها، ألا وهيّ الموت، نهاية الحياة في الدنيا والانتقال إلى الآخرة.. إنّها نهاية كلّ نفس بشرية، قال الله عز وجل: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران: 185]، فالله تعالى كتب على العبد أنه مهما عمَّرَ في هذه الحياة الفانية لا بدّ له من الموت والزوال كأنه لم يكن يوما ما.. إن العبرة هنا تكمن في علاقة الإنسان مع خالقه من جهة الإيمان والكفر فهيّ تتعلّق بالحالة التي يموت عليها، فإن مات المرء على الكفر -والعياذ بالله- بُعث يوم القيامة كافراً، حتى ولو كان قبل الكفر مؤمناً، إذِ العبرة بخاتمة عمله في حياته، وكذلك لو أنّه مات على الإيمان بالله تعالى فإنه يبعث يوم القيامة مؤمناً، ولو أمضى معظم حياته على الكفر، إذ العبرة بالحال التي مات عليها الإنسان، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : “يُبْعَثُ كُلُّ عَبْدٍ علَى ما ماتَ عليه”، فاللهمّ إنا نسألك حسن الخاتمة..

فأنْ نحبّ الحياة فذاك مفروض ومطلوب، ولكن دون ننسى أن المَنِيَّة قد تأتي دون ميعاد، يعني فلنعش بمبدأ مقولة الصحابي علي بن أبي طالب رضي الله عنهما “اعمل لدنياك كأنّك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنّك تموت غدا”. فمن الواجب علينا أن نعرف كيف نعيش حياة سَويَّة بالقرب من اللّه عزَّ وجل، مع استحضار حقيقة أنّ الموت آت لا محالة مهما عمّر الإنسان في هذه الدنيا الفانية، فلنكن مستعدّينَ له بالزاد والعمل الصالح الضروري الذي أوصانا الله به وحثّنا عليه رسوله صلى الله عليه وسلم، خلال أيام حياتنا مع تفادي الوقوع في الزلاّت والمعاصي.. والحرص كل الحرصِ على الإكثار من العبادات التي تقوّي إيمان المؤمن، والإخلاص في جميع الأعمال لله تعالى، وكذلك الإكثار من الطاعات، لأن الطاعات كالسلسة يجر بعضها بعضًا، لأنّك إذا دخلت في أعمال الطاعات، يسَّر الله لك أعمال طاعات أخرى، عملا بقوله سبحانه وتعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7].

ومنه فالإِنسان لا يعلم نهايته؛ أَينَ تَكون، وَلَا مَتَى ستَكُون، وَلَا كَيْفَ ستكُون، لِأَنَّ الله رَبَّ الْعَالَمِين استَأْثَر بِعِلْم هَذَا وَحْدَه، وهو مِن مفاتِيح الْغَيْب الخَمْسَة الَّتِي استَأثَر الله رَبّ الْعَالَمِين بِعِلْمِهَا، فَلم يُطْلِع عليها ملكًا مُقرَّبًا، ولا نَبِيًّا مرسلًا..
إذن هنا، بعد الموت مباشرة يدفن الميّت في قبره، لتنتهي رحلته على هذه الدار الفانية، لتبدأ رحلته الأخروية، ثم يفتح له باب إلى الجنة فينظر مقعده فيها حتى تقوم الساعة، أو يفتح له باب إلى النار فينظر مقعده فيها حتى تقوم الساعة والعياذ بالله.. فاللهم ارزقنا حسن الخاتمة واجعل خير أعمالنا خواتيمها واجعل خير أيامنا يوم نلقاك يا ربّ العالمين..

أمّا الآن سأنتقل إلى النهاية الأولى، والتي هي سلسلة من النهايات الصغيرة في حياة الإنسان منذ ولادته إلى حين وفاته، فكما نعرف أنّ حياة الإنسان تتكوّن من ثلاث فترات متتالية: الطفولة والشباب والشيخوخة..

فعلى سبيل المثال الأول، سأذكر هنا مثالا بسيطا يعلمه الجميع، وهو نتيجة مباريات كرة القدم، فهي بالفعل لا تعترف سوى بالنتيجة النهائية، كما يقول المعلق دائما عقب كل مباراة، فمباراة اليوم لا تقبل القسمة على اثنين ممّا يعني أنه لا بدّ من فريق فائز في آخر الجولة، أحد الفريقين يقدّم مباراة رائعة وبطولية والفريق الآخر يخطف هدفًا ثمينا قبل نهاية المباراة بثوان معدودة وفي بعض الأحوال خلال الثواني الأخيرة من الوقت البدل الضائع، ثم يطلق الحكم صافرة النهاية مُعلنا أن الفوز كان من نصيب الفريق الذي سجل، كل من يحبّ اللعب الجميل والتمريرات والخطة المُحكمَة وكذا التكتيكات، حزين لأجل الفريق المهزوم الذي لم يحالفه الحظ رغم كل ما قدَّمهُ من كرة ممتعة، معلق المباراة وسط صمت الجميع يعلنها مدوية فاز الفريق الفلاني وانهزم الفريق الآخر للأسف.. ببساطة لأن العبرة تتعلق بالنتيجة وليست بمن قدَّمَ مباراة ممتعة، إذن فالعبرة في خاتمة الأمور بنتائجها وعواقبها..

وفي المثال الثاني، سأتحدث عن المسار الدراسي للطالب ففي مرحلة السلك الابتدائي، عندما يصل المتعلم إلى مستوى السادس ابتدائي يقول له أبواه أنّه يجب عليك أن تكون أكثر حرصا من كل عام مضى لكي تنجح، إنك الآن في نهاية المرحلة الابتدائية، ثم تجتهد وتقاتل، وتحصل على شهادة السلك الابتدائي بدرجة جيدة أو ممتازة.. ثم تتفاجأ أنك بدأت في المرحلة الإعدادية التي ستختم أيضا بالعام الثالث حيث سيقال لك ما قد قيل من قبل، ثم تدخل المرحلة الثانوية وحين تصل لعامها الثالث وهو البكالوريا والتي تعتبر حلم كل المتعلمين، ثمّ يقال لك هذه أهمّ سنين عمرك لأنها هي ما سيحدّد ماذا ستكون، وماذا ستعمل في المستقبل، يعني بها ستحقق حلمك الذي يراودك منذ طفولتك أو منذ أن وطِأت قدماك المدرسة.. تنتهي من هذه الفترة وتحصل على شهادتك الدراسية بدرجات تُخوّل لك الدخول إلى الكلية أو المعهد الذي تتمنّاه وفي بعض الأحيان المفروض عليك حسب الدرجة التي حصلت عليها أو ظروف أخرى لم تكن في الحسبان.

تبدأ الدراسة الجامعية والتي تعتبر مرحلة جديدة كلها معاناة وكدّ واجتهاد مضاعف في كل الأعوام إلى حين التخرج بدبلوم..
يتكرّر نفس الأمر، تبدأ في البحث عن العمل والوظيفة حسب شهادتك وتخصصك.. هنا تستوعب أنّ الوظيفة تعتمد على قدراتك وشخصيتك التي صقلتها وبَنَيتها أو التي أهملتها وضيّعتها.. وهناك فئة أخرى تفضّل العمل الحر والمشاريع..

ثم تستمرُّ حياتك وتبدأ في دوّامة التفكير في الاستقرار والزواج والإنجاب. إلى أن توافيك المَنِيَّة سواءَ توفّقت وحقّقت كل الإنجازات والأحلام التي تتمنَّاها، ومررت بكلّ ما تمّ ذكره سابقا أم لا…

إذن من خلال كل هاته المراحل والعقبات التي يمرّ بها الإنسان في حياته، هي نهايات لمرحلة وبداية لمراحل أخرى، وفي بعض الأحيان يمكننا إعادة النهاية من جديد، كما يقول الزعيم السياسي والديني المهاتما غاندي: “ليس كل سقوط نهاية، فسقوط المطر أجمل بداية”، هنا أريد أن أُبيّن وأُذكّر أن المرء إذا حمل في مُخيّلَته أفكارا صادقة وأحلاما واثقا بها وطموحا، سيستطيع أن يولِّدَ من جذوتها شُعلةً من وميض النجاح الذي يبرهن على انتصاره في حسم المعركة لصالحه، فتتحوّل كل الأفكار والطموحات بفضل صبره وشجاعته من إنسان مقهور إلى قاهر للظروف التي لطالما عانى منها طيلة مساره، مدركََا وواثقََا أنه سيأتي اليوم الذي سيبزغ فيه فجر أحلامه وطموحاته وتبتسم له الحياة، وكأنه لم يذق من كأس المرارة والمعاناة واليأس شيئََا…

وفي النهاية دائمََا كما نقول إن لكل شيء نهايته، فنهاية مقالي هذا هو أن العبرة بالنهاية وليست في البداية أبداً، فالبدايات ما هي إلا سبيل للنهايات التي نطمح أن نصل لها دوما..

1xbet casino siteleri bahis siteleri