الزلزال : ابتلاء وتنبيه رباني لنا

في ظل أزمة هذا الزلزال الذي يعتبر الأعنف منذ قرن في المغرب كما وصفه مركز رصد الزلازل، مركزه قرية أداسيل إقليم الحوز، الواقعة على بعد حوالي 70 كلم جنوبي غربي مدينة مراكش بالمغرب، قدّرت قوته بشدة 7 درجات على مقياس ريختر، والذي وصلت اهتزازاته إلى أغلب مدن البلاد وكذا البلدان المجاورة. لازالت إلى حدّ الساعة السلطات وفرق الإنقاذ من الوقاية المدنية والدرك الملكي وكل الجهات المختصة تسارع الزمن لمواجهة هاته الكارثة العظيمة بكل ما اوتوا من قوة وإمكانيات بشرية ولوجيستيكية.. لإنقاذ ما تبقّى من العالقين تحت الانقاض، وانتشال جثث من فارقوا الحياة للتسريع بدفنهم.. ورغم ذلك لازالت تعاني ولم تتمكّن كليا من إخراج جميع من هم تحت أكوام الركام ومخلّفات المباني.. فما بالنا بالمناطق المنكوبة في المغرب المنسي ذات الطبيعة القاسية والتي تعاني من ويلات الطريق وكثرة المنعرجات بها، كل الدواوير والقرى أغلب مبانيها هشة لأنها مبنية بالطوب والطين والحجر ممّا يجعلها سهلة السقوط على العالقين هناك، ومع توالي الهزّات الأرضية والارتدادات خلال اليومين المواليين فإن ما يزيد من الطين بلةّ، أنّ حتى من هم على قيد الحياة هناك، إن لم تصل إليهم فرق الإنقاذ والإغاثة في الوقت المناسب سيلقون حتفهم تحت الردم، أما فيما يخص الناجين من الأسر فقد يموتون بالبرد والجوع والعطش. فقدوا كل شيء من منازل وبيوت وماشية ودواب.. فهم معزولون هناك يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، ليس لهم سوى الله سبحانه.. ينتظرون وصول الفرق المحلية والوطنية التي ستجود بها عليهم الدولة أو المساعدات الأجنبية لمساعدتهم..

إن صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، أعطى تعليماته السامية بشكل مستعجل منذ الليلة الأولى من الزلزال، بالتدخل السريع للقوات المسلحة الملكية عبر نشر وسائل بشرية ولوجيستية مهمة، جوية وبرية، إضافة إلى وحدات تدخل متخصصة مكونة من فرق البحث والانقاذ، ومستشفى طبي جراحي ميداني، كما تم نشر وحدات للتدخل، وطائرات، ومروحيات، وطائرات بدون طيار، ووسائل هندسية، ومراكز لوجيستية بعين المكان بهدف تقديم الدعم الضروري لمختلف القطاعات المعنية والساكنة المتضررة جراء هذه الكارثة.

فعلا كارثة طبيعية رهيبة بكلّ المقاييس التي نزلت على الشعب المغربي المغلوب على أمره هناك في تلك المناطق الجبلية المتضررة المنهارة، وسوَّت الأبنية بالأرض وتحطَّمت البيوت، هناك بعض القرى والدواوير في إقليم الحوز وتارودانت وشيشاوة التي تحطّمت كليا ولم يعد لها وجود وتوفي كل أناسها، ممّا زاد المعاناة أكثر هو عدم توفر الكثير من الطرق المعبدة من الأساس وصعوبة المسالك الجبلية ووعورتها.. كما أخبر بذلك رئيس المعهد الوطني للجيوفيزياء بالمغرب، السيد ناصر جبور، أنّ انهيار الجبال وتدحرج الصخور أدى إلى انقطاع أغلب الطرق المؤدية إلى المناطق المتضررة، وهو ما يستدعي إلى اعتماد وسائل أخرى للتنقل كالمروحيات والطائرات للوصول للمنكوبين في الوقت المناسب قبل أن يزداد الوضع أكثر سوءََا ووجعََا مما هو عليه إلى حدود الساعة..

كلّ هذا ولا زالت السلطات المسؤولة لم تتدخل بما فيه الكفاية لمدّ يد المساعدة والعون لجميع القرى وانتشال من هم تحت الانقاض في كل المناطق نظرََا لأن الزلزال ضرب الكثير من المناطق في أقاليم عديدة.. رغم أن المواطنين هناك يستنجدون ويطلبون يد العون والمؤونة من كل الهيئات والمنظّمات الإنسانية للتدخل السريع لمواجهة تداعيات هذا الزلزال المدمّر الذي دمَّر تلك المناطق من البلاد منذ الساعات الأخيرة من ليلة الجمعة 8 شتنبر 2023، هذا ما جعل المئات بل الآلاف من الأشخاص في خطر دون مأوى ومأكل ومشرب، بالأخص النساء والحوامل منهم والأطفال الصغار والمسنين وكذا المرضى عرضة للموت والعذاب النفسي رغم نداءاتهم المتكررة منذ تلك الليلة السوداء كما تناقلها ناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي..

إنّ أبناء الشعب المغربي المنسي هناك في تلك الأقاليم والجماعات والدواوير المنكوبة الواقعة على سلاسل جبال الأطلس الكبير، أبناء المغرب الغير النافع الذي ما زال فيه الفقر ضاربا أطنابه، يتكبدون المعاناة بصبر وحكمة، كانوا يعانون منذ سنين في صمت قبل هذه الكارثة الطبيعية، ذاك المغرب المنسي الخارج من دائرة التنمية المزعومة التي نراها في قنوات الصرف الصحي، تلك التي لازالت لم تجد الطريق السوي إليها، ليأتي الزلزال ويعري الواقع المرير الذي تعيشه الساكنة.. لم يكن لدى الكثير منهم إمكانية الحصول على الرعاية الصحية والطبية وقلة وسائل النقل والاتصالات مع انعدامها في بعض القرى النائية منها، وهشاشة التدريس مع انعدام أبسط ظروف العيش الملائمة التي هم بأمسّ الحاجة إليها.. كانوا يموتون في كل يوم على طول السنة، يموتون بالبرد والثلج والفيضانات في فصل الشتاء وبالعطش ولدغات الثعالب والعقارب في فصل الصيف..

إن كان هذا يدلّ على شيء إنما يدلّ على أن الإنسانية أصبحت في خبر كان لدى المسؤولين.. يحتاجون الدعم الإنساني والاجتماعي المتواصل في الأيام العادية، أما الآن وفي ظل هذه الكارثة الطبيعية فهم يحتاجون لدعم مضاعف، رغم الجهود التي تبذلها بعض الجمعيات الخيرية المحلية والوطنية بكل أطرها، إلا أنها لم تكن كافية لسدّ الاحتياجات ومع ضعف الإمكانيات وقلّتها، وعدم وجود الكثير من الجرافات والرافعات الثقيلة، وأيضا مع إنقطاع الوسائل الإتصالات وشبكات الكهرباء مما أدى إلى نفاذ بطاريات الهواتف. إن المواطنين هناك لازالوا يسارعون الزمن لإنقاذ المزيد من الأرواح وانتشال بعض الضحايا من تحت مخلفات المباني المدمَّرة جزئيا أو كليََا.. بتلك الوسائل اليدوية البسيطة المتاحة لديهم..

وممّا لاشكّ فيه، فإن هذا الزلزال عرّى واقع المناطق المنسية بالمغرب العميق، وأن ما يحصل الآن هو الواقع الحقيقي للمغرب دون تزييف.. ففي الكوارث الطبيعية تظهر حقيقة معاناة الشعب المقهور المغلوب على أمره.. وفي الانتخابات والانتصارات والنجاحات يظهر المسؤولين يتبجحون ويفتخرون.. فأين هي الحكومة بكل أطرافها، أين هو السيد الرئيس؟ أوليس فيكم رجل رشيد ليحاور الشعب ولو بندوة صحفية ليطمئنهم ويشجعهم!؟. أين هي وزارة الصحة في شخصها الوزير ليقربنا من الحالة المزرية التي تعيشها مستشفيات المدن التي وقع فيها الزلزال؟. وأين هي المعدات والوسائل الطبية لإنقاذ الجرحى والمصابين وبالأخص الحالات الخطيرة؟

أين هو وزير التجهيز والنقل ليشخص لنا الوضع المزري للطرقات في تلك القرى الجبلية المعزولة وبعضها غير موجود بالأساس؟ أم أنهم مشغولون بمشاريعهم الشخصية؟ أم أنهم في مكاتبهم ومنازلهم المكيفة؟. أليس هذا الوقت المناسب للمساعدة والتخفيض من ثمن المحروقات والمواد الغذائية والطبية والملابس لتسهيل عملية التعاون بين مختلف أبناء هذا الوطن الجريح من طنجة إلى الكويرة..؟ أم تنتظرون كارثة أخرى؟

لا نملك إلا التضرع إلى الله وحده، والحمد لله على كل حال. كما نتقدم بالشكر والتقدير لتلك العيون الساهرة والأيادي الدافئة، ولكل من عمل على إنقاذ تلك الأرواح بكل ما أوتي من قوة.. الشكر لكل الطاقم العسكري والدرك الملكي والوقاية المدنية والقوات المساعدة وكذا الطاقم الطبي الساهر على تقديم الاسعافات الأولية والطبية للجرحى والمصابين.. ولكل من ساهم في التغلب على هذه المحنة من قريب أو بعيد في مد يد المساعدة. شكرا لكل المتبرعين بالدم. شكرا لأبناء الشعب المغربي على وحدتهم وتضامنهم في هذه المحنة فيما بينهم كالبنيان المرصوص بالدعم الإنساني والاجتماعي والنفسي لكل المصابين والناجين.. جزاهم الله خير الجزاء وجعلها في ميزان حسناتهم..

وفي الأخير وجب علينا جميعا كمغاربة أنّ نقدم مساعدات إنسانية وجمع التبرعات والمساهمة بأي شيء ولو كان بسيطا من شأنه أن يساعد إخواننا المتضررين في تلك المناطق المنكوبة، وأن نكون مصدر أمل ورحمة لهم بعد الله عزّ وجل..
فالله وحده أعلم بحالنا ومشاعرنا. قلوبنا تتقطع حزنا على إخواننا هناك، ولا نقول إلا ما يرضيه سبحانه وتعالى، لله ما أعطى ولله ما أخذ وإنا لله وإنا إليه راجعون. لا يسعنا إلا الدعاء للموتى بالرحمة والمغفرة. أهالي وأبناء الشعب المغربي عزاؤنا واحد في هذه الفاجعة..
فاللهم كن لهم ناصرََا ومعينا، اللهم تولّهم برعايتك واحفظهم بحفظك، واربط على قلوبهم واشفي جرحاهم، فليس لهم سواك يا الله، اللهم اغفر لموتاهم وتقبّلهم عندك من الشهداء وارحمهم برحمتك يا أرحم الراحمين.. اللهم الطف بنا، اللهم قنا شرّ الفتن ما ظهر منها ومابطن.. اللهم احفظ بلدنا وأدم أمنه وسائر بلاد المسلمين.

يا اللَّه إنها ثوان معدودة سوّت المباني بالأرض وخرج الكل إلى العراء تاركا أمتاعه وأمواله وكل أغراضه خلفه لينجو بروحه وحدها، ثوان سوّت الغني بالفقير، الكل يجري ويصرخ في الطرقات والساحات ولكن أين المفر؟.
زلزال جاء كتنبيه لنا أم عقاب؟. فالله وحده جلّ وعلا أعلم بذلك. يقول سبحانه وتعالى : {وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلا تَخْوِيفًا} [الإسراء: 59]. هنا يجب علينا جميعا أن نتأمل كثيراً الحكمة من إرسال هذه الآيات ألا وهي التخويف والإنذار، أي: حتى يكون الإنسان خائفاً وجلاً من عقوبة قد تنزل به في أي لحظة، وليتوب إلى الله، ويتعظ ويؤمن به..

إنه حادث طبيعي أرسله الله إلينا جميعا، ليكون عبرة للمعتبرين وانذارََا للغافلين. وليذكرنا بأن الموت أقرب منّا وقد يأخذنا في أي لحظة، وهذا ما يدعونا جميعا لكي نحاسب أنفسنا ونراجع أعمالنا، ونصلح أنفسنا وعلاقتنا بربنا، وأن نكون على استعداد للرحيل بالأعمال الصالحة والقرب من الله تعالى في كل وقت وحين.. فاللهم إنا نسألك حسن الخاتمة والفردوس الأعلى من الجنة يارب العالمين..

1xbet casino siteleri bahis siteleri