ظل ذاكرة تروى…

في رحلة أسميتها حنينا، أركب فيها سفينة الماضي، سفينة ربانها شخص في الثمانينات من عمره. هي رحلة عنوانها حوار الأجيال، تتغذى بحكمة الأجداد وتسافر عبر الزمكان، تنبثق من روح الانتماء الحية السرمدية داخلنا، توقظها من جديد، وتزيل الصدأ عن الذكريات.
جلست أحاوره وأفتش في قعر ذاكرته عن كنوز وجواهر نادرة لبحر لجي طويل مداه. أبحث عن رواية استثنائية لن يتقنها غيره، وعن كتاب أعاقره بين دفنات التاريخ وأتصفح أوراقه الصفراء التي تفوح بعبق الأصيل العتيق الثمين.
فأجد نفسي كشابة في عقدها العشرين أمام ذاكرة تاريخية لمدينتي تحفظ أزمنتها، تسرد ماضيها وتجرد مبانيها من عصر أقام فيه اليهود في أحيائها القديمة إلى فترة ما بعد الاستعمار، فأشعر كأني أمام فيلم وثائقي قائم على الرواية الشفهية يقف عند كل جديد ويخبر عن ماضيه وتحولاته ثم ينقب عن آثاره وأطلاله المتبقية.
أتابع في صمت ما يرويه وكلي آذان صاغية لهذه الطاقة الدفينة التي يفصح عنها الشخص أمامي ورصيده المعرفي الذي يجعلني أعيش في زمان غير زماني ومكان غير مكاني.. وتغمرني الحسرة وأنا أرى طاقة أمامي لا تقدر أبدا ولا يعترف بها.
هو شخص يجسد فئة ما زالت تنتظر من يزيل عنها غبار الإهمال والتهميش الذي يهوي بها إلى الركن البعيد..أترانا نحافظ على هذا الموروث اللامادي الذي يعيش حيا في ذاكرة كبار السن، ذاكرة لطالما شكلت لبنة المجتمع وأقامته! ألم يئن الأوان لننقل هذه المعارف الثمينة بين الأجيال الصاعدة ونتيح لهذه الطاقة فرصة أن تصبح شعلة في هذا المجتمع لا أن تعيش في ظلام دامس.
جيش من الأسئلة لا يسعه حبري، يأمل في جواب يشفي الغليل ويحدث التأثير، تأثير في الواقع بعد المواقع.
1xbet casino siteleri bahis siteleri