المرض

المرض كالموت كلاهما يهدمان اللذات، هذا ما قفز إلى ذهنه والطبيب يعلن لأسرته أن ارتفاع الضغط غدر بابنهم فأرداه ساكنا بلا سكين، في تلك اللحظة التي أعلن فيها الدكتور النبأ غير السار استعاد إدراك عقله إلا أنه لم يستعد حركة أعضائه، فكانت أول فكرة انسلت من عقله الذي عاد إلى الحياة أن وجد رابطا بين المرض والموت. ثم حمدل لما أدرك وجوده بتفكيره تيمنا بقول ديكارت. ثم تابع تفلسفه الذي أصبح ظله فلم يفارقه حتى وهو في أحوج ما يكون أن يبتعد عنه، فذو العقل شقي بفكره يأخذ من راحته أكثر مما يأخذه تعب جسده.

في هذه الحالة التي يبدو فيها الإنسان هامدا من الخارج وهائجا من الداخل، تساءل الشاب الذي شارف على إطفاء شمعته الخامسة والعشرين، هل ستحترق شمعتي دون أن أطفئها؟ فمن إرهاصات الموت أن ينزل المرض ببني آدم فيضفي عليه زينة يعده بها عروسا للموت، فالمرض يعيد إلى الروح النقاء الذي عكرته سنوات يجعل فيها الإنسان من نفسه صنما يعبده، ثم إن فعل الموت ليس حدثا سهلا، ذلك أن عبور قنطرة الحياة أمر جلل يحتاج شيئا كالمرض يخبر به الإنسان أن مدة صلاحيته على كوكب الأرض قريبة من الانتهاء، فيأتي براق الموت ينقله إلى عالم فيه ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، كما أن الموت خنجر لا يخترق الإنسان إلا مرة واحدة.

ثم أردف قائلا دون أن يسمع أحد الضجيج الذي يحدثه تصادم أفكاره، إنني محظوظ فجبريل عليه السلام لم يأخذ روح المصطفى إلا بعد أن استأذنه، فكان المرض طريقة جبريل عليه السلام كي يستأذنني ويخبرني بقصر المسافة التي تفصل بيني وبينه. فالغفلة آفة لا يعرف لسعتها إلا من استيقظ منها، فالحمد لله الذي نبهني إلى زوال حالي فأخذ مني جسدي بدءا على أن تلحق الروح بالجسد فيما بعد.

انتصف الليل واشتد الظلام وفي هذا الزمان تفيض الخيالات وتتحرك الجوارح وتشتعل المشاعر إلى أن يطفئها الصبح بنوره، فبعد أن فتك المرض به وسحبه إلى عالم لا يوجد فيه إلا هو وأفكاره التي شاءت الأقدار ألا تشل حركتها هي الأخرى. تنبه إلى أنه ليس فقط سجين الغرفة المشؤومة التي لا يستطيع أن يغادرها، فقد أصبح سجين أفكاره التي دخلت في حرب ضارية من المرجح أن تكون السفسطة أحد المنتصرين فيها.

لم يستعد وعيه بعد لكن اخترق أذنيه أنين امرأة ممزوج بكلمات غير مسموعة يبدو أنها دعوات أم قلبها مكلوم، فبعد أن حاول إيجاد الجانب المضيء في مرضه، جاءه هذا الصوت العذب فذكره أن المرض نقمة، فانقلب الرضا سخط. فقال في نفسه ما معنى أن يسلبني القدر جسدي دون غيري؟ لماذا سهام الحياة غير عادلة تصيب من تشاء وتخطئ من تشاء؟ وحتى لو كانت الدنيا قبر الإنسان فلماذا يكون قبري هذا السرير الذي التصق بجسدي أياما لم أعد أعدها؟

ارتفع الأنين قليلا فصار بكاء جعل رامي يستيقظ من أسئلته الوجودية دون أن يستيقظ حقيقة. فتابع قائلا: إن بشاعة المرض ليست في كونه ألما يقض مضجعنا ويبعد النوم عن أجفاننا، أو لأنه يجعل أجسامنا هزيلة بل لأنه ينقل ألمنا إلى من هم أعز الناس إلى قلوبنا فنرى انطفاء الروح فيهم، وكأن الألم عملية رياضية ينقص الشعور به بقدر من يشاركك في ذلك. فكانت هذه آخر خاطرة قبل أن يأتيه اليقين فيرفع عنه الألم دون أن يرفعه عمن شاركوه في ذلك.

1xbet casino siteleri bahis siteleri