إنما النصر صبر ساعة

إن أحطّ دركة من الهوان يمكن أن يقع إليها المرء، هي حينما يكون في موقف يرى فيه إخوانه يسامون الخسف ويذوقون مرّ العذاب وتهدّم على رؤوسهم بيوتهم ويشتّت شملهم ويفرق جمعهم وتُيتم أبناؤهم وترمّل نساؤهم وتقطّع أطرافهم وتوزع أشلاؤهم… وهو مطرق لا يكاد يقدّم في سبيل الذود عن إخوانه شيئا، يغسل به عار الأبد وسبّة الدهر التي وصمت الأمة العربية العاجزة المتآلبة مع الكيان الغاصب على محق أناس قد اختصّهم الله من دون العالمين، بالرجولة والشهامة وبذل النفس رخيصة في سبيل إعلاء كلمة الحقّ وقهر المستبدّ وإخضاع المحتل لشروط أصحاب الأرض.

إن هذه المواقف قد أماطت اللثام عن حقائق كثيرة، كانت إلى وقت قريب، محجوبة بالشعارات الكاذبة والمبررات المخاتلة والعناوين الخدّاعة؛ فظهرت حقيقة الإنسان الغربي منتحل التمدن ودعيُّ حقوق الإنسان، الذي يسعى في غير تورية ولا تعمية إلى إراقة الدماء وقتل الأبرياء، بدم بارد لا يصدّه عن اقتراف هذه الجرائم و اجتراح هذه المجازر كثرة التنديدات ولا تفاقم المظاهرات والاستنكارات من أبناء جلدته ولا نسبة الوفيات الآخذة في الارتفاع إلى أعداد خرافية، حصدتها الآلة الإجرامية الصهيونية، مدعومة بالعدة والعتاد من ولايات الجريمة واتحاد الإرهاب الأمريكي.

ورغم الإمكانات التي اختصوا بها عن أصحاب الأرض، والإمتيازات التي ذخروها دونهم، فأرض المعركة تحكمها لغة الشجاعة وخطاب الفداء، وإن الوقائع الموثّقة لسانٌ ناطق، يترجم عن هؤلاء الصناديد، عزما لا يفلّه الحديد وحزما لا يفتته الصخر، في الإجهاز على العدو المتحصن بالدبابات والمدرعات من المسافة صفر.

وهم على عظيم مُصابهم وجلال رُزئهم في ما لاقوه من قِـبل عدوهم من تنكيل وتمثيل وتقتيل، قد نُقّيت نفوسهم من الشوائب وصُفّيت قلوبهم من السخائم، فلا تكاد تحمل حَسيكة على رهينة ولا شنآنا على مستوطن، هاديهم في التلطّف بالأسرى كتاب الله وسنة نبيه عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، وبهما قد ضربوا للعالم أجمع، مثالا ساميا في النبل والشّرف والشهامة والرفعة، بما لا يدع للأسرى سبيلا بعد التسريح إلا أن يعترفوا بفضلهم، ويقروا بمكرمات قوم عزّ في الناس أمثالهم.

في وقت يعمد الكيان المجرم إلى استهداف المنشآت وقصد المستشفيات، في صورة إبادة جماعية أمام مرأى ومسمع العالم الظالم الغاشم، الذي اختلّت عنده الموازين واعتلّ فيه الأنصاف، فصار ظهيرا للظلمة والمعتدين على الآمنين والمسالمين، في سبيل أن يشفيّ صدره مما تكبّدته منظومته العاجزة من خسائر، أمام جنود لا قبل لهم بهم، آثروا الموت على عيشة الدون والهوان، ورضوا في أن يبذلوا حشاشة نفسهم لتخليص الأرض المطهّرة من الأنجاس، وإن بشائر النصر القريب تلوح في الأفق، وما النصر إلا مع الصبر؛ فإن مع العسر يسرا إن العسر يسرا، والعاقبة لمن اتقى.

1xbet casino siteleri bahis siteleri