جدل اللغة بالمغرب، رأي براغماتي

988

دائما ما كنت أقول إن العامة غير مجبرة على إتقان اللغات الأجنبية، النخبة تعم لأن النخبة موكل لها نقل المعرفة التي تتعلم من العالم المتقدم الحالي والذي يتكلم. فقياسا على المبدأ الديني فرض العين وفرض الكفاية يوكل المهام الأكثر مشقة لنخبة الأمة ومواليها بينما العامة ليس عليها تحمل عناء بعض الفروض.

زيادة على ذلك، النخبة عينها تجد المشقة والعناء ليس لتعذر الفهم، بل لشعور الغربة عن الذات والهوية حينما ترتدي لباس الغير وتضع جدارا تواصليا بينها وبين بني جلدتها، حينما تستعمل لغة أخرى أنتم لا تدركون معنى أن تتلقى المعرفة بلغتك إلا حينما تجرب ذلك بنسخ لغوية مختلفة فتشعر بالفرق.

لقد أثبتت تجارب كل الشعوب، والحضارات والثقافات عبر التاريخ أن الإبداع والإنتاج يتحقق باللغة الأم. ويقول على عزت بيغوفيتش، المفكر والرئيس البوسني -فترة الحرب الأهلية بيوغوسلافيسيا الإشتراكية وقائد حركة التحرير خلالها- اللغة يد المخ، لذا، فاستعمال لغة أخرى حين صنع شيء ما هو بمثابة استعمال يد غير يدك، الشيء الذي يصعب الأمر ويجعلك تحقق نتيجة مشوهة أو تستغرق وقتا طويلا.

فعلي عزت نفسه، حسب ما تحكي قصة وفكرة لطارق سويدان، كان يكتب بلغته الأصل أي اللغة البوسنية وإن أتقن العربية والإنجليزية والألمانية ولغات أخرى. تأتي هذه الرغبة الفورية لكتابة هذا المقال الصغير على إثر سماع خطاب ميراوي، والذي نقلته العمق المغربي وعدة وسائط إعلامية أخرى. فمسألة اللغة ببلدنا ليست شاغلا عابرا وفقط، بل قضية ترافق الفكر وتشغله دائما وثمة أحداث ومواقف بين الحين والآخر تعيد الموضوع إلى الواجهة وتسيل الأقلام وتخلق الجدل.

فالقرار وإن اتخذ بشأن تبني لغة دون الأخرى يحتاج إلى تريث وعناية كبيرة بتدبير الفقرة الانتقالية للجامعة والمدرسة المغربية، تأهيل وتكوين الأطر في المجال، المرافقة النفسية الجماهيرية، فالفردية تتعذر أو غير مناسبة جدا لأن أمر الانتقال اللغوي يشغل الكل ويقع أثره على الكل. الخطاب الذي لامست فيه صدقا واختلافا نوعا ما، لكن، وبالعودة إلى مداخلة السبد الوزير، يجدر القول إننا لامسنا بها انفعالية مبنية على مجرد الفعل لشخصية وأشخاص ما من قواعد المغرب والشعب، وذلك تبعا لمقال نظريات القيادة التي تعكس تفاعلا بين القيادات، ميدانية كانت أو روحية أو فكرية، تعكس تفاعلا فيما بينها يقود إلى الفعل القيادي.

حيث قال الوزير إن المغاربة يجب أن يتعلموا لغات عدة: الإنجليزية لأنها تفتح آفاقا جديدة، الفرنسية ضرورية وإن لزم القطع معها بما أنها لغة استعمار وتبعية، لكن إخواننا الأفارقة الذين يقطنون المغرب الآن ويعملون هنا والعلاقات التي ننسجها ويجب أن ننسجها مع محيطنا الإفريقي الفرنكفوني. فالجار من المستحيل تجاهله ليس لقربه الجغرافي فقط بل وتفاعله النفسي والإنساني أيضا مع أهلك، وما ينتج من تثاقف وتفاعل اقتصادي وإنساني.

أقول إن إخواننا الأفارقة هنا معظمهم يأتون للعمل بمراكز النداء التي وإن وجدوا بديلا لها لفعلوا، خاصة وأن المواطن الفرنسي قد أغرق بالعروض التجارية. وبالمنطق الاقتصادي فالقيمة المضافة لهذا القطاع ليست مختصة كليا بالتراب المغربي، بل تنتقل حصة كبيرة منها إلى الخارج، مما يعني أنها قطاع غير منتج بالشكل المرجو للداخل الوطني الخام.

إن مراكز النداء أمر جيد للاقتصاد المغربي، لكن حسب تقديري أنه بإمكاننا خلق قطاع آخر يخلق فرص شغل كبيرة، ويمتص البطالة فوريا، وذلك بأن نكون سادة على أنفسنا. نعمل لحساب أنفسنا وشعبنا وقارتنا، وذلك ليس ميلا للاستقلالية في حد ذاتها، بل لما تجلبه من انسجام مع الذات ودرء للتمزق الهوياتي الذي نعانيه وتعانيه المجتمعات المغاربية والعربية، نظرا لأن ما نستهلك أصلا من ثقافة ومنتوجات وخدمات لا تنتمي إلينا ولا تعكس من نحن.

إن الفاعلية المغربية قادرة على خلق قطاع آخر مستقل تتوجه مجمل قيمته المضافة وإنتاجه إلى المغاربة بلغتنا، كفاءاتنا وعناصرنا الثقافية والاجتماعية.