أثر مصطفى محمود
في سنواتنا الأولى التي يشتد فيها عودنا ويطلق المجتمع علينا لقب شبان، نلتقي في طريقنا للنضج بالكثير من الأسئلة، سواء أكانت هذه الأسئلة حول مستقبلنا أو حياتنا أو حتى حول ديننا فيتحتم علينا أن نبحث لها عن جواب. الشك مرحلة طبيعية يمر بها كل إنسان والبحث عن جواب مقنع هو طريقك لتقوية الإيمان، وغير الطبيعي هو أن تشك وتتخذ الشك ذريعة أو حجة لترك الدين.
حين كان عمري في السابعة عشر كانت تدق في رأسي الكثير من الأسئلة كنت أحاول الهرب منها ولكن دون جدوى، كان صراعا عنيفا بيني وبين نفسي. مرت الأيام وما زال الصراع موجودا وحينها قررت أن أواجه شكوكي ولا أتهرب منها، ومن هنا بدأت مسيرة البحث عن الإيمان. دخلت إلى موقع غوغل وبدأت البحث عن كتب تستطيع أن تساعدني لإيجاد أجوبة منطقية، ووجدت كتابين لمصطفى محمود حوار مع صديقي الملحد، ورحلتي من الشك إلى الإيمان، وعلى الفور قمت بتحميل الكتابين.
بدأت بقراءة حوار مع صديقي الملحد وأنهيته وكنت بحاجة للمزيد فقرأت كتابه الثاني وأصبحت بحاجة للمزيد، فحملت كتبا أخرى له، كنت نهمة للقراءة في كل المواضيع التي كتب فيها، أعجبت بأسلوبه وطريقته الهادئة في الحوار، قرأت كتابه رأيت الله فأحسست أنني كنت جاهلة بمعاني أسماء الله الحسنى، وبأنني في طريقي لأصبح مسلمة عن قناعة ووعي. كان لا بد لي من التأمل والتفكر، أتذكر أنني في معظم الأيام كنت أجلس وحدي وأتأمل كل ما تراه عيني من مخلوقات الله أنظر إليها بعين أخرى وعقل متعطش للمعرفة.
ومن المهم أن يعرف القارئ أن الكاتب الذي يكتب في مجال الفكر أو التأملات لا يحب القارئ الذي يومئ برأسه لكل شيء، بل يحب القارئ الذي يناقش ويفكر ليفهم. تعرفت على برنامجه العلم والإيمان كنت أتابعه بشغف وأعطاني دفعة قوية للمزيد من القراءة والاطلاع.
مصطفى محمود أثره ما زال موجودا في كياني بالرغم من مرور الكثير على آخر قراءة لكتاب له، وإلى الآن ما زلت أعتبره أستاذا لي وأستمد منه ذلك الشغف الجميل للتأمل في مخلوقات الله تعالى، وما زال صوت ذلك الناي الذي يبدأ به برنامجه له صدى جميل في أذني وحنين غريب في روحي.
مصطفى محمود تعلمت منه الكثير ولم يخيبني حين كنت ضائعة أفتش عمن يشد بيدي لإيجاد أجوبة لأسئلتي. وكانت رحلة البحث عن الإجابات ممتعة أكسبتني بعض الخبرة القليلة عن كيفية إيجاد المعلومات والبحث عنها، ومما علمني إياه د. مصطفى أن العقل أمير للجسد وأنه نعمة وبصيرة الإنسان، ومن ثم فواجب علينا استغلاله وأن نشكر الله على هذه النعمة الكبيرة ومن صور الشكر الحفاظ عليه ومحاربة الجهل في حياتنا.
مصطفى محمود هو الرجل الذي صاغ في كتاباته وحلقاته من برنامج العلم والإيمان تفسيرا متقدما، ويرى أنه لا يليق بالمسلم إغلاق عقله بترباس التعصب، وأن يعيش أسيرا لأفكار سابقة التجهيز لذلك نراه في أغلب كتبه يفتح أبواب الاجتهاد والتفكير والتأمل.
وهذا هو الغرض الحقيقي والمبتغى للكاتب؛ أن تتحول كتبه لمادة غنية بالمعرفة ينهل منها القارئ وأن تبقى كتبه نافذة للبحث والتفكير، ومحاولة منه للاجتهاد في بلورة الأفكار وقد يخطئ وقد يصيب وهذه طبيعة بشرية غفر الله لنا وله.
رحمك الله يا أستاذي مصطفى محمود.