يمكن للإنسان ان يقف من غير ترنح وكأن جبال الأرض كلها أوتاد داخله، ويبدو كذلك سعيدا كصبي يحصل على لعبة لأول مرة، يمكن لملامحه أن ترتدي السكون والوقار ولكلماته أن توحي بالقوة والثقة… ويمكن أن تكون كذلك حصته من أوجاع الدنيا تخفي الحياة من روحه.
هنالك تجارب لا نعود منها كما كنا، منها ما يمنحنا شعورا أبديا غير قابل للنسيان ومنها ما يغير أفكارنا وطرقنا في التعامل إلى حد كبير. فمهما بلغت درجة العسر والصبر والشهامة والحياة التي قد يصل إليها الفرد في حياته العادية المملة، لن يستطيع الوصول ولو لبصيص من المعاناة التي تعيشها الأسر الغزاوية خاصة والفلسطينية عموما من تهجير وقتل واغتصاب وما إلى ذلك من الأعمال الشنيعة وغير الإنسانية، زد على ذلك كمية الخذلان التي يتجرعها يوما بعد يوم من إخوانه الأشقاء العرب، خصوصا فيما يتعلق حول الصراع العربي البارد وتحدي العلاقات مع الغرب والكيان الصهيوني، لتنتقل بذلك هذه العدوى إلى ذواتنا، فتنسينا حجم الرسالة الموكلة إلينا.
هذا التوتر الذي بات يداهم العالم، يحمل في طياته العديد من المفارقات التي أصبحت تنسج خيوطها الوهنة في مسلماتنا، لاسيما التعاطف الكبير الذي أصبح مرئيا للكل وواضحا وضوح الشمس من خلال تكبيل كل نشاط مراده زعزعة هيمنة هذا المحتل الغاشم.
حتما لم يعد لنا متسع من الوقت لتدارك الموقف والأمة العربية سابحة في نوم عميق في حين نرى أن الغربي يتعاطف لقضيتنا الأم، بل حتى إنه أصبح يؤنبه ضميره لتلك المجازر التي لا يمكن لإنسان عاقل أن يتحملها مسلما كان أم يهوديا بمبدأ الفطرة. فقد حملتنا عواصف المضاربات وتيارات الخبث بعيدا عن مبدأ التوحد الذي هو أصل المشكل في أمتنا، في حين أنه كان من الممكن أن يجعل منا قوة لا تقهر ولكن ضعف البصيرة وتشبعنا بأشياء سخيفة أبانت عن ضعف لم تشهده العرب من قبل، هذا التشتت والتوهان الذي أصبحنا نعيشه ناتج عن يتم ديني محض أساسه الفرقة وتأورب شمل جل توجهاتنا في ظل التطور والتقارب الذي يعرفه المجتمع الغربي.
في بيت شعري رائع يقول:
بدت شعرة بيضاء في وسط لمتي
بادرتها بالنتف خوفا من الحتف
فقالت: على ضعفي اعتديت و وحدتي؟!
رويدك للجيش الذي جاء من خلفي
رويدا رويدا، فلعنة العقد الثامن قد اقترب موعدها ونحن نلاحظ بوادر الانقسام والتشتت، ويلتفت أكثر بالتالي لتناول المشاكل الداخلية وتعميقها بما يؤدي لاحقا لإضعاف الدولة كليًا؛ بسبب تفسخ المجتمع وتمحوره حول مشاكله الداخلية والسياسية وتضارب للآراء، وهذا ما نراه تقريبا من خلال الشاشات التلفزيونية، خاصة أن هاته اللعنة التي تراودهم منذ الأزل والتخوف الكبير من زوالهم كفيل بقلب الموازين وأحداث تأثير على الروح المعنوية للطرفين خاصة عند يتعلق الأمر بالحرب البرية والخسائر الفادحة التي يتكبدها الجانب الصهيوني كل يوم، وتمسك المقاومة الباسلة بها والرغبة الهيجاء في تحقيقها، وخوف بعضهم من حتميتها إلى درجة العجز.
هذا الترابط الأخوي والاعتصام بحبل الله الذي يتسمى به الشعب الفلسطيني قد أبان عن نجاعته وحير كل مشكك في ذلك، لذا لا بد منا كمسلمين أن نتصف برباطة جأش في ظل الظروف الراهنة التي نعيشها ولا نسمح لأنفسنا بأن نشكك في قوتنا وعزمنا اللامحدودين تحت سقف واحد ودين واحد ولغة واحدة وراية الإسلام تربطنا بعيدا عن أي قيود. قال ﷺ: “يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما.”