جوهرة الشرق فلسطين

لا زلت أتذكر جلوسي أمام التلفاز في طفولتي وأنا أتابع أحداث حرب فلسطين الأبية، البلد الذي علمنا الجهاد ومواجهة الأعداء رغم ضالة المعدات. لطالما كانت قطرات دماء إخواننا الفلسطينيين التي يبذلونها في سبيل حريتهم واستقلالهم مدادا أحمرا تسجل في صفحات تاريخهم آيات المجد والفخر، من ينكر أن الشعب الفلسطيني علم دروس الوطنية الشريفة وغرس في قلوبنا أن الحياة الذليلة خير منها الموت وأن الحرية حياة الأمة وروحها؟!

هذا الشعب العظيم الذي يقف وحيدا سوى من إصراره الأسطوري، وعارياً إلا من إيمانه الديني والوطني، مواجها أعتى جبروت البغي والطغيان في العالم الحديث، ما دفعني للبحث في تاريخ فلسطين العظيم، هو علاقتي بهذه القضية منذ نعومة أظافري بشكل خاص، وعلاقة المغاربة بالقضية الفلسطينية بشكل عام، خصوصا أننا شعب له تاريخ طويل مع الشعب الفلسطيني؛ حيث بني للمغاربة في فلسطين باب اسمه باب المغاربة وحارة اسمها حارة المغاربة التي دشنت نسبة للشهداء المغاربة الذين دفنوا منذ عهد صلاح الدين الأيوبي في العهد الفاطمي، ناهيك عن وكالة بيت المقدس التي أسست من طرح الملك الحسن الثاني -رحمه الله-.

تضامني نتج عما ذكر سالفا وعن عقيدتي كامرأة مسلمة وارتباطي ببيت المقدس والمسجد الأقصى الذي يُعتبرُ، كما جاء في القرآن والسيرة، أولى القِبلَتين ومسرى الرسول ﷺ ومنطقة عروجه، وهو منزل مبارَك، تُغفر فيه الذنوب وتُضاعَف فيه الحَسنات، كما أن الصلاة فيه كألف صلاة في غيره.

تضامني نتج عن مغربيتي باعتبار فلسطين قضية متجددة في قلوب المغاربة، يجمعهم بها ارتباط شديد إيماني وتاريخي جعلها حية في وجدانهم بتجدد معاني الحب والتعلق الروحي، مما يفسر اليوم حجم التقارب بين المغاربة والفلسطينيين. هذا التأثير البالغ والمُقتحم لحدود الجغرافيا والقلوب، رغم التطبيع الرسمي المتزايد مع الاحتلال، التطبيع الذي أشعرنا بالخزي والعار والعجز وما أسكتنا فقط معرفتنا المسبقة بالمقايضة الرخيصة التي مورست على أصحاب القرار رغم بعدي عن السياسة، إلا أن رائحة الابتزاز واردة لا محالة.

فلسطين الشعب الذي لا يعرف الخوف، شعب مسكون بشجاعة فريدة، شعب يجاهد العدو المحتل بقوة الإرادة والحجارة. لم أر مثل شجاعة هذا الشعب الأعزل من السلاح، المتسلّح بقوة الإيمان، وبشهامة العربي الذي يرفض المذلة. البلد الذي تعزى قوته إلى تاريخه العظيم لا محالة، فقد نشأت فلسطين منذ أيام الكنعانيين العرب جذورها أقدم من التاريخ نفسه، هي كالجينوم الذي يحمل إرث العائلة، هي التاريخ والأزل…سميت بفلسطين بعدما شهدت سلسلة من الغزوات التى قامت بها القبائل الكريتية التي استقرت في شواطئ يافا وغزة، وأطلق اسم فلسطين على جميع الأراضي الساحلية والداخلية التي كان يسكنها الكنعانيون، ومع الزمن، غلب العنصر الكنعاني وأصبح سكان البلاد كلهم من الكنعانيين العرب.

وفي الألف الثالثة قبل الميلاد، هاجر إبراهيم عليه السلام من بلدة أور في العراق إلى فلسطين، وهناك أنجب إسحاق والد يعقوب الذي يسمى كذلك إسرائيل وإليه ينتسب الإسرائيليون. وبسبب المجاعة التي اجتاحت فلسطين هاجر يعقوب عليه السلام وأولاده إلى مصر حيث كان ابنه النبي يوسف عليه السلام قائما على خزائنها، وهي قصة فصلها القرآن الكريم في سورة يوسف. واستقر الإسرائيليون في مصر وكثر عددهم، ولكنهم بدؤوا يتعرضون للاضطهاد في عهد رمسيس الثاني فقرر موسى عليه السلام الخروج بهم إلى أرض كنعان، وهذه القصة وردت في القرآن الكريم في مواضع كثيرة. ومكث بنو إسرائيل في الصحراء أربعين سنة قبل أن يتمكنوا من دخول فلسطين بعد موت موسى عليه السلام في عهد النبي يوشع، وتمكن داود عليه السلام من إقامة مملكة لبني إسرائيل في القدس بعدما انتصر الإسرائيليون على جالوت.

مرت فلسطين عبر عدة حضارات؛ منها الحضارة الفارسية واليونانية، والرومانية التي ولد فيها المسيح والحضارة الإسلامية التي تولى فيها عمر بن الخطاب بنفسه فتح القدس التي كانت تسمى آنذاك “إيلياء، والتي شهدت عدة عهود ليومنا هذا، ومنها العهد الأموي حيث بني المسجد الأقصى، وبعد انتصار القوات البريطانية على تركيا في الحرب العالمية الأولى دخلت فلسطين عام 1917 تحت الانتداب البريطاني حتى عام 1948، تاريخ طويل ومليء بالأحداث جعل منها بلدا فريدا وجعل شعبها حرا أبيا.

رسالتي هي رسالة من مغربية لشعب فلسطين الشقيق، ستتحرر فلسطين بمقاومة الأحرار السائرين على الطريق، والمتمسكين بخط المقاومة الحرة الشريفة، الماضون على درب الشهداء الذين سبقوهم لتمهيد الطريق إلى تحريرها، وعلى أياديهم المباركة غداً تتحرر فلسطين وتعود القدس للمسلمين ويدخلوا المسجد الأقصى آمنين ويؤذنون فيه للصلاة، ليصلي المؤمنون فيه صلاة الفاتحين. بكل أمل أوجه هذه الرسالة حبا وأملا وتقديرا واحتراما.

1xbet casino siteleri bahis siteleri