لكل منا عالم خاص: الجزء 1

دخلت المبنى أخيرا، صنعت لنفسي هذا المكان، كنت أزوره كل يوم تقريبا وأضع فيه ياجورة حتى أصبح حديقة كبيرة مع بيت صغير. كنت أتأمل قليلا وأفكر كثيرا، كنت أنا التي تكلفت به من ألفه إلى يائه. أعطاني الكثير، كان ذلك المكان الصديق الذي لا ولم يكن ليمل مني يوما، أعطاني الكثير من القوة. خرجت في عيون الناس وأثبتت أفكاري كل الإثبات، أعجب بي هذا وحسدني ذاك، تغيرت وازدهرت في غضون سنة أو ما شابه. مكاني، كنت أزوره كلما استطعت، أذهب إليه وأسقيه قليلا بكل ما استنتجته من دروس، كل مقولة أعطاها لي شخص ما خلال حديثنا أو كل التفاصيل التي تبهرني في العالم لكي أضيفها إليه، بنائي السحري.

وأنا أكبر وألتقي بأناس جدد وأتحدث مع أقرباء، اكتشفت أن لك شخصا مكانه، بناه وقواه، ولكن هجره في آخر المطاف، اكتشفت وجود أفكار وأحلام كبيرة لكل أحد منهم، لكنهم طمسوها مع ماضيهم وعادوا إلى نقطة بدايتهم…حقيقتهم المظلمة، هجروا مكانهم السحري…مكان راحتهم.

وأنا أعيش كل ساعة بغايتها، اكتشفت شبابا يفكرون كثيرا فيما يليهم، الخوف يملأ صدورهم، يبحثون عن فجوة الاسترخاء. ومن سيقول لهم أن راحتهم توجد عند بناء مكانهم السحري، من سيخبرهم على أجدادنا الذين ازدهروا وتعلموا دون تفكير زائد وشرب أدوية مضادة للاكتئاب، وأن أكل الأكلات السريعة أو أخذ هاتف بثمن باهض ليس الحل لكل مشاكلهم، أو الابتعاد عن الأشخاص الذين في مقتبل عمرهم سيبعدهم عن مشاكل المراهقة، وأن اللباس وذوق استماعهم للموسيقى لم يكن أبدا مقياسا لأفكارهم وعقليتهم. للأسف، لن يقول أحد، وحتى إن عزم، لن يسمعوا البتة وكأنه لم يقل شيئا.

وأنا أكبر في مجتمع ذي خصائص متباينة ومختلفة، اكتشفت أن هناك أشخاصا درسوا جيدا خلال سلكهم المدرسي، ولكن لم يصلوا إلى ما وصل إليه من لم يبال يوما بذلك ووجد طريق مستقبله جاهزا بفعل والديه اللذان سهرا على ذلك ليال معدودة. في المقابل، وجدت آباء أقنعوا براعمهم منذ الصغر أنهم لن يدوموا طول حياتهم، علمهم أن الصحراء حتى وإذا كانت قاحلة، فهي تعطي ثمارها وتغني سكانها، فقد لا يهم المال أو المستوى بل طريقة العيش. كبروا وحصدوا ثمارا لم يأخذها الأول ولا الثاني.

وأنا أترعرع وسط هذا المجتمع، كان الحب والعلاقات مصدر نقاش كبير. نعم، فالكثير منهم يرى العلاقات كيفما كانت نوعها، مصلحة ولن تجلب إلا الذي يريده الأول من الثاني. الكثير منهم يرى أنه إذا كان رجل مع امرأة في مكان واحد، فنيتهم تكون سيئة، دون القيام بأي مجهود لإدراك السبب حتى. الكثير يظن أن التقاء عاملين في مكان واحد سيظلون يشتكون عن مديرهم الذي لا يعاملهم جيدا، ولكن الحقيقة أنهم أصبحوا إخوة أكثر من زملاء عمل. الكثير يقوم بنظريات عن عالمه الخارجي وقد نسي عالمه، طمسه مع ماضيه، وبات يتمنى الأحسن دون العمل فيه، أحبوا حقيقة الآخرين دون أن يعلموا حقيقتها ونسي حقيقتهم.

وأين أنا بين كل هاته الكومة؟ بالحسرة لم أجد نفسي بعد. أنا شخص فريد من نوعه نوعا ما، أنا إنسان أراد أن يعيش بروحه الطفولية التي ولدت لتكون قتالية، أحب منذ صغره القصور الكبيرة التي نشاهدها في التلفاز، أراد أن يكون مثل الجنية السحرية التي تطير وتعطي الطاقة الإيجابية لأصدقائها، أراد أن يكون نوتة في مقام موسيقي يعطي الرعشة لمستمعه، أنا روح أرادت أن تكون رقصة بين عاشقين يشعران بكل ثانية تمر بينهم. باختصار، أنا كومة إحساس أرادت إثبات نفسها بكل منطق، بنيت بيتي وعالمي الخاص، كتبت فيه كما أني أتحدث مع الورقة.

أصبحت تلك الأخيرة صديقتي، بكيت في سطورها كما أني رسمت وضحكت في أخرى. أتوجه إلى صديقي الطيف ليساعدني على تنظيم أفكاري، قد أرسله لي رب الخلق والسموات والأرض، إنه حقا أفضل هدية أعطيت لي. للأسف، بدأت تهزمني الأيام، تلاشت بي عزيمتي وفقدت التواصل مع صديقي الطيف، ومن هنا بدأ بيتي السري ينهدم. غلب تفكيري المنطقي على العاطفي وأصبحت أميل إلى طائفة البشر العاديين، لكن كنت أفكر بطريقة مختلفة كثيرا. من جهة أخرى، أفكار أسمعها تلهمني، ولكن العزيمة افتقدتها، لم أعلم من أين أجلبها، فالجميع يعيش بنفس الإيقاع وذلك ممل للغاية. لم أجد حلا سوى أن أستغيث الله لعودة طيفي، حقا لم أستغث لمدة طويلة حتى وجدتني أستهلك طاقتي من تحت الصفر. قضيت ليلة طويلة أحاول أن أجد مفتاح باب منزلي السري، وجدته بصعوبة، بكيت كثيرا عند تذكري بعض الذكريات في ذلك المكان. غريب ما قد يكون ليعمل بنا الزمن وتشتاق إليه إلى حد لا يمكن لأحد أن يتخيله.

(يتبع)

1xbet casino siteleri bahis siteleri