الأمان والاستسلام

مما لا يدع مجال للشك، أن من بين أكثر المفاهيم جدلا هو مفهوم الحياة، ودون الاستطراد في تحديد معنى له حتى لا نجانب الصواب في ذلك، سنحاول مقاربة هذا المفهوم بشكل موضوعي في العلاقة مع الإنسان باعتباره أسمى تجلي من تجليات الحياة.
وإن حدثوك عن الجدل قل الإنسان كل في سياق الوصول إلى معنى للحياة، من هنا تتضح المفاهيم الأساسية لهذه الكتابة بين الإنسان والجدل والحياة.
فمنذ أن عرف العقل النور والإنسان يحاول جاهدا الوصول لشيء معين، ولعل أكثر ما أثار الإنسان وسعى نحوه هو الخلود وبما أن الموت مصير محتوم فالخوض في معنى للخلود يقتضي البحث فيما هو غيبي، الشيء الذي يضفي عليه الكثير من الغموض والخوف، وقد حرص الإنسان على مر العصور حل هذا اللغز، وصدقت به طائفة وكفرت به أخرى كل في صراع جدلي لا حد له، وقالت جل الديانات بفكرة الخلود، لكن هل هذا الأخير ينطلق منذ بداية الحياة أو بعبارة أصح هل هو خلود متقطع في مرحلة الموت، تختلف نتائجه بعدها ويتنوع بين نعيم وجحيم لا يجزم أحد على مثواه في ذلك، أم أن مفهوم الحياة لا تستوعبه فكرة الخلود؟ كلها تساؤلات غيبية مثيرة تنوعت إجاباتها بتنوع الديانات، والٱراء الفلسفية.
فمن المحمود التعلق بمسألة الغيب والخلود، هو طموح في حد ذاته وتشبث بالوجود، لكن ما هو جدير بالاهتمام هو معرفة الحياة في حد ذاتها وتقديرها كضرورة للإنسان ومواجهة تحدياتها بنوع من المسؤولية، فمن حسنات الإيمان بما هو غيبي نجده يولد نوعا من الاكتفاء والقناعة، وفي المقابل فإن التعلق به بشكل خاطئ يودي بالإنسان إلى اللامسؤولية، وينقله من مرحلة القناعة والاكتفاء إلى مرحلة التبخيس وشتان بين المفهومين، وإذا كان الإنسان من أعظم تجليات الحياة فتبخيس هذه الأخيرة هو تبخيس للإنسان.
إن الارتباط بالغيب بشكل عام والخلود بصفة خاصة، هو بقدر ما يوفره من طمأنينة واكتفاء، نجده في المقابل يرسخ ثقافة الاستسلام والتبخيس للحياة، متى أسأنا التعلق به، وإذا كانت هذه الأخيرة هي عبارة عن حقوق والالتزامات فالإخلال بالتزاماتها نجده يعلق دائما على ما هو غيبي، وهو في الحقيقة راجع لانعدام الجرأة في اتخاذ القرار والتمسك بالحق وتحمل المسؤولية.
إن ما أردنا قوله من خلال هذه الكتابة هو عدم مجابهة أي عائق نواجهه ونحن نخوض غمار الحياة على ما هو غيبي، وترك المعلوم للمجهول لمجرد عدم قدرتنا على المواجهة.
إن الخوض في غمار الحياة يقتضي مجموعة من العراقيل والتضحيات من المهم تجاوزها واتخاذها، نتحمل ما يواجهنا ونتصدى له بكثير من المسؤولية، نخطأ ونعتذر نقدر ونعتبر نجانب الصواب ونعتدل، هكذا طبيعتها وإن كان نظريا من السهل القول بهذا، فمن الصواب أن نعي بهذه المسألة على الأقل، لا نعلق أي كسل أو إخفاق أو أذية أو استسلام على ما لا طاقة لنا به، وأن لا مفر لنا مما نحن عليه والقرار ليس لنا والقدر مصير محتوم، لأجل ذلك نقول بأن لا صوت يعلو على الاختيار وتحديد المسار لصنع أي قرار، وهذا هو الأصل.
1xbet casino siteleri bahis siteleri