نسبية الحقائق

كما هو متعارف عليه، أن مبدأ الحوار يقوم على مناقشة الأفكار والقناعات بين الأشخاص بشكل يسوده الاحترام وحسن الإنصات، فكثيرا ما نحاول استحضار هذه المبادئ في خضم نقاشاتنا وذلك للحيلولة دون وقوع أي تشنجات، إلا أنه وفي غالب الأحيان يحدث اضمحلال لهذه المبادئ، لنجد أنفسنا أمام جو يسوده التعصب نصبو من خلاله إلى الوصول بأن ما ندعيه هو حقيقة مطلقة، لأجل ذلك ينبغي علينا التفكر مليا في مسألة غاية في الأهمية تتجلى أساسا في معرفة مصدر الرأي وذلك في العلاقة مع طبيعة الإنسان المتغيرة التي لا ترسو على مستوى معين من التفكير.

مما لا شك فيه أن لكل منا مجموعة من القناعات، جاءت بناء على أفكار وتجارب، هذه القناعات التي كثيرا ما نجابه بها بعضنا البعض على طاولة الحوار، والكل يدافع عنها بطريقته الخاصة، فالبعض يتحدث بتعصب والآخر بتحسر، ومنا من يبوء بها وعلى وجهه ابتسامة تفيد أنه يدعي اليقين فيما يقول، وبين هذا وذاك يثار تساؤل مفاده من منا الأصح؟

هذا السؤال هو الذي يجب أن نستحضره دائما ونحن بصدد استعراضنا لأفكارنا، ولأجل ذلك ينبغي فهم أن الفكرة أو القناعة التي ندافع عنها جاءت بناء على معطيات ونتائج متولدة أساسا عن مستوانا الفكري والتجارب التي مررنا بها، وعن كيفية فهمنا وتحليلنا للأمور، كلها مسائل يطرأ عليها التغيير مع مرور الزمن، إذ ينبغي أن نكون على يقين بأن ما ندعيه يوازي مستوانا الفكري والمعرفي الذي نحن عليه الآن، وبما أن هذا المستوى يتغير بتغير التجارب والمعرفة، فما نختلف فيه اليوم قد نتفق عليه مستقبلا.

مقالات مرتبطة

من هنا جاءت فكرة نسبية الحقائق، فمن يرى مثلا أن السعادة تكمن في الغنى، فاعتقاده هذا نتاج عما هو عليه الآن، وبعبارة أخرى هو وليد تراكمات عرفت أفكار وتجارب أدت إلى استنتاج مفاده أن السعادة تكمن في الغنى كما أسلفنا، فقد يجد من يدعي هذا نفسه في يوم من الأيام أن له من المال الشيء الكثير، ولا يفتقر لشيء إلا للسعادة نفسها، والأمثلة على ذلك كثيرة، مما يفيد أن ادعاءه هذا ليس حقيقة مطلقة بل نسبية.

إن الحياة عزيزي القارئ وكل ما تتضمنه من معانٍ وتجليات ليس لها مرادف معين ثابت، ومن أعظم مظاهر الحياة هو الإنسان الجدلي، وصفة الجدل ناتجة عن تغيره وتأثره باستمرار، الشيء الذي يصاحبه التغير والاختلاف في الأفكار والمواقف عند كل إنسان عبر مختلف مراحل الحياة.

والغاية من كل ما سبق هو أننا ينبغي أن نعي جيدا ونحن بصدد مبادلة الأفكار والمعارف أو بصدد اتخاذ بعض القرارات، أن ما نقول أو ما نقوم به يعبر عما نحن عليه الآن، ووفق ما نعتقده من اعتقادات بني عليها هذا الرأي، بمعنى أن له حقيقة نسبية، والوعي بهذه المسألة يؤدي حتما إلى السلاسة في الحوار واتساع مجال التفكير، والتريث قبل اتخاذ القرار، والأهم من كل هذا هو معرفة وتقبل اختلاف النفس بصفة خاصة واختلاف الآخر بشكل عام.

1xbet casino siteleri bahis siteleri