محادثة مشفرة

بعد يوم طويل ومرهق، وصلت إلى البيت أخيرا وكل ما يشغل تفكيري هو أخذ قسط من النوم، والانغماس في عالم الأحلام بعيدا عن ضجيج الواقع، فجأة سمعت صوته! إنه آت!

-سألته أين كنت؟ لقد سئمت انتظارك.
-أجابني: كنت هنا طيلة الوقت.
-فقلت: لكنني لم أسمعك، انتظرتك طويلا دون جدوى!
-رد علي قائلا: أجل لقد كنت منغمسا في دنياك فلم تتح لك فرصة الإصغاء إلي، بل عجزت عن سماعي ولم تعلمي بقدومي.
-فقلت: لكن لماذا؟
-أجابني: كنت منشغلة بحياتك.
-ثم أجبته أن كل الناس منشغلون بحياتهم ودنياهم فما ضير ذلك؟
-فقال: أجل لكن اعلمي أن هنالك شقان للحياة، هناك شق نعرفه أنا وأنت وشق آخر كثيرا ما نجهله أو نتجاهله، ألا وهو النفس والذات لا يجب عليك تناسيهما، عليك منحهما وقتا وجهدا وعطاء واهتماما تماما كما تفعلين مع الشق الأول لحياتك، ما شأنك بالآخرين اهتمي بذاتك أولا، اعرفي وتعرفي عليها قبل أن تعرفي عن غيرها وتتعرفي على الآخر، اهتمي بها قبل اهتمامك بالأشياء الأخرى…

-قلت بصوت خافت متناسية أنه يسمع بأذني وينطق بلساني: ولكنني أهتم بنفسي وذاتي.
-فرد علي: لا، فلو كنت كذلك لما عجزت عن سماعي عندما كنت تنتظرين!
-فسألته: حسنا أخبرني ما الحل إذن؟

مقالات مرتبطة

ثم قال: أجل، فأنت تلجئين إلي في كل مرة تعجزين فيها أمام إيجاد حل لمعضلة ما، هذا أمر جيد وسيء في الوقت ذاته، جيد كونك لا تلجئين إلى أحد غيري لكن يجب عليك أن تتعلمي أن تلجئي إلي في كل مرة سواء أكان الأمر جيدا أم لا، مهما أو ثانويا. بالإضافة أنه عليك منح الكثير من الوقت وإعارة المزيد من التركيز لنفسك، فالوقت والتركيز عاملان أساسيان يجب عليك تعلم فنهما.

فعندما كنت طفلة صغيرة كنت تسألين كثيرا ولا تصغين، لكن كان والداك وكل من حولك يصغون إليك جيدا ويجيبون عن أسئلتك قدر المستطاع، لكن في كل مرة كانوا يرددون على مسامعك أنك ستفهمين كل شيء مع مرور الزمن، أجل فالوقت هو الذي يحدد مدى إدراكنا للأمور ويمكننا من اكتشاف الجديد، هو الذي يمنحنا الاستطاعة والقدرة اللازمة لفهم ما عجزنا عنه في وقت ماض.

في صغرك كنت كثيرة السؤال وقليلة الإصغاء، لكنك الآن كبرت فحري بك أن تلعبي دور الكبار وألا تسمحي لتلك الطفلة أن تعود، بل اجعليها هي ذاتك ودعيها تنفض عليك بالأسئلة وأنت من سيصغي هذه المرة، أنصتي إليها جيدا، ركزي وتمعني في كلامها وحديثها معك، افهمي لغتها حتى تتمكني من فك الرموز التي تصاحب الرسائل التي تبعثها لك كل يوم وكل لحظة، لكي تدركي معانيها العميقة، لا تنشغلي عنها، اهتمي بها فهي من يتحكم بمصيرك وهي رأس مالك، لا تنخدعي بالمقولة الشهيرة التي تقول إن ماهية الإنسان وقيمته تتحددان بمحيطه وممتلكاته إياك، إياك أن تذوبي في صور أشخاص غير شخصك أو اسم غير اسمك، عليك اكتشاف خبايا نفسك.

-أجبت متسائلة: إذن هل علي أن أتغير؟
-رد قائلا: لا، ليس دائما التغيير هو الحل الأمثل، هنالك أشياء لا بد من تغييرها صحيح، أو تحسينها إن صح القول حتى تتماشى مع مقتضيات حياتنا، لكن ما يجدر بك فعله حقا هو البحث عن كينونتك ومعرفة ما تجهلينه عن ذاتك، حتى تتمكني من فهم ذلك التناقض الذي يحيرك في شخصك، والذي يأسرك في الليل ويراودك خلال النهار، غوصي في أعماق نفسك واسبري أغوارها، تمكني منها لتقوديها ولا تجعليها تقودك، حينها فقط ستنجحين في خلق تناغم وانسجام رائع بين كل هذه التناقضات، بين ذلك النظام الذي تطمحين إليه والفوضى التي تعيشين في خضمها، بين العلم الذي تسعين إليه والجهل الذي يحوم حولك، بين الإحباط الذي تنفرين منه والنجاح الذي تقاتلين من أجله، فلتتمكني من نفسك لتتمكني من حياتك ومستقبلك.

1xbet casino siteleri bahis siteleri