إنسان محترم أم وحش كاسر؟

السؤال الذي يجول في أذهان كثيرين: كيف السبيل لتنشئة طفلك في هذا العالم القبيح الذي نعيش فيه، والمجتمعات التي فرض علينا التعامل اليومي مع أفرادها؟ هل تنبته نباتا حسنا، وتعلمه الاحترام وحسن الخلق والتفكير المنطقي العقلاني والسلوك الحضاري، فتجعل منه ضحية للذين سيجدون في لطفه وتهذيبه مظنة فريسة سهلة، أم تزرع فيه منذ الصغر بذور الكراهية والعداء فينمو قوي الشكيمة أقرب للشر، يؤذي ولا يتأذى، ويصنع الضرر ولا يتأثر به؟

الخبر الجيد أن الأمر ليس بهذه القطبية دائما، ليس شرطا أن يكون المرء فأرا أو هرا بالضرورة، مجرما أو ضحية، هناك وضع وسط، أما الخبر السيء فهو أن هذا أصعب في تطبيقه مما يبدو.

الشخصية السوية المتزنة هي الشخصية التي لا تظلم ولا تظلم، لا تعتدي ولا يعتدي أحد عليها، لا يخدع أحدا، ولا أحد يقدر على خداعه، لكن المشكلة في هذا العالم أن الشر إيجابي وكاسح غالبا، بينما يندر أن تجد الخير الإيجابي، لهذا يخلط كثيرون بين اللطف وبين الضعف، بين المسالم والعاجز، بين المتساهل ومعدوم الحيلة، لهذا يجد كثير من الطيبين أنفسهم حائرين بين مطرقة التعامل مع وقاحة البشر وشر الأوغاد، وبين أن ينضموا إليهم على قاعدة “ومن لا يظلم الناس يظلم” كما يقول (زهير بن أبي سلمى).

في الغالب الأعم، وبوجود حد أدنى من القدرة، يفقد الطيب طيبته ويصير شخصا آخر، وإلا استكان وتبنى سياسة المشي جنب الحائط وأمعن في تكرار أقوال من طراز: “ما تديرش ما تخافش” و”ما تآذي حد ما يآذيك حد” محاولا إقناع نفسه بأن هذا يكفي كي يعيش آمنا على نفسه وأهله، هذا هو الطراز الذي تجده دائما ينحاز إلى لوم الضحية، ويضرب أبناءه إذا جاؤوه بمشكلة من الشارع، وينصحهم باستمرار بالابتعاد عن المتاعب والتنازل عن حقهم تحت شعار “ما قادين على صداع”، إنه عاجز نفسيا عن تقبل فكرة الشر المجاني الذي يتربص الدوائر بالضحايا الضعفاء، لأنه لو فعل، لن يقدر على العيش يوما آخر.

من هنا نبدأ، إذا أردت أن ينمو طفلك متميزا قويا فعليك أن تكون أنت نفسك كذلك، شخصا متزنا ناضجا صلبا، يفهم الحياة ويجيد التواصل مع أنماط البشر المختلفة، ويفرض احترامه على الناس، ويعرف كيف يوقف السفلة عند حدهم وكيف يسترد حقه إذا سلب منه، لأن ابنك سيتأثر بطاقتك النفسية وينشأ على غرارك، لا يمكنك أن تطلب من الله طفلا مثاليا وأنت أبعد ما تكون عن المثالية، لا يمكنك أن تنشئ ابنا قويا مهاب الجانب يخشاه الآخرون وأنت تعجز عن مواجهة سائس السيارات وتتهرب من لقاء البقال الذي نظر لك شزرا ذات مرة.

النقطة الثانية هي أن تسلح ابنك، سلحه بالمعرفة، وبالقوة. في غياب الثروة التي يمكن لها أن تصنع حوله سياجا يقيه من غوائل الدهر، فإنه بحاجة إلى أن يتعلم كيف يحمي نفسه ويشق طريقه، أما كيف تفعل ذلك فبطريقتين:

اغرس فيه حب القراءة والاطلاع، وألحقه في سن صغيرة جدا بناد لتعلم الفنون الحربية. العلم سيرفعه فوق أقرانه درجات، ولو تعهدته كما ينبغي فسوف يبرز بشكل لافت وسط زملائه، وسرعان ما سيشق طريقه في الحياة ليبلغ مناصب عليا بكفاءته، قد يكون هذا مجتمعا فاسدا والمحسوبية ضاربة فيه أطنابها، لكن التميز والكفاءة الخارقة في أوساط الرداءة المنتشرة هي أقرب إلى صاروخ حارق لا يمكن إيقافه، وسيمر وسط كل هياكل الفساد كسكين حامية تخترق قالبا من الزبد كي يتبوأ المكانة التي تليق به. والتدريب القتالي سيمنحه الثقة الكافية والأدوات اللازمة كي يحمي مشروعه الشخصي من الذين سيقابلهم في حياته ويمكنهم أن يتسببوا له بصدمات تسبب شروخا في شخصيته، لأن أغلب المشاكل التي سيقابلها في النصف الأول من حياته في هذا المجتمع، ستكون مشاكل ذات أبعاد لها علاقة بالعنف والضرر المادي.

في النهاية، لو قمت بواجبك أنت كأب ووفرت له ذلك مع الشروط المادية والنفسية والمعنوية الكافية في تربية قويمة وسط أسرة متماسكة، فسيشب ابنك كما تريد له، رجلا قويا متزنا خاليا من العقد والأمراض النفسية، وذا مهارات تواصلية متميزة ومعارف تتفوق بأشواط على من هم في مثل سنه أو طبقته الاجتماعية، مما يفتح أمامه أبوابا للإثراء والترقي الاجتماعي ونسج علاقات مفيدة.

هذا هو النموذج الوحيد الذي يمكنه أن يضع السيف موضع السيف والندى موضع الندى، الإنسان المحترم العاقل المثقف الفاضل، الذي يمكنه متى شاء أن ينضو عنه رداء المهندس، الطبيب، الموظف السامي، الإطار العالي، رجل الأعمال المتحضر، ويتحول إلى وحش كاسر لا يعرف معنى الخوف وقادرا على إلحاق عدة مستويات من الضرر بالعدو بشتى الطرق وسحقه سحقا، هذا ما تمناه كلنا ومعظمنا لم يحصل عليه في حياته، لكن ما دمت قد اخترت أن يكون لك ابن، فواجبك تجاهه أن تمكنه من ذلك.

1xbet casino siteleri bahis siteleri