لنفسِك عليك حقا

مضى وقت طويل على آخر ترتيب لكلماتي على الأوراق، كل أفكاري باتت حبيسة صدري، أنظر لهذا العالم من زاوية التأمل، وهل كل ما يمر أمامنا يستحق التدوين؟ هل كل الأحداث تستحق أن نقف عندها، ونعبر عنها على أوراقنا؟ ربما بعض المواقف لا تستحق حتى الانتباه لها، نحتاج ألا نستنزف طاقتنا في كل التفاصيل التي نعيشها.

الحياة هي قمة وقاع، شعور وبرود، حماس وفقدان شغف، لا يمكننا الحفاظ على نفس الإيقاع، لأنها مبنية على مبدأ التغيير واللاديمومة فالشيء الثابت الوحيد هو التغيير وهذه سنة الله سبحانه في خلقه.

نرتطم بأزمات، نعيش التحديات؛ ألم، مرض، فقدان، فراق، رحيل، حزن… تبدو قاسية للوهلة الأولى، لنكتشف بعد مدة أنها مجرد خدشة صغيرة في قلوبنا، نتجاوزها بالصبر واليقين على أمل أن القادم أجمل بإذن الله. تمر المواقف مهما اشتدت قساوتها، تمر الأحداث والأشخاص، تتغير الأماكن والظروف، في النهاية تبقى أنت فقط مع نفسك التي تستحق منك أن تحافظ على سلامتها، وتحرص على عدم فقدانها مهما اشتدت المعارك من حولك.

عليك أن تبني في نفسك شخصًا لا يحتاج في اليوم الصعب إلى ملجأ، بهذا ستحقق نمط عيش صحي. إن تأثرت نفسيتك لن تكون جرعات الأدوية كافية لتخلصك من الألم الجسدي. فكل مرض جسدي نمر به تسبقه آلام نفسية: قلق، وضعف، وحزن، وحالات نفسية غير مستقرة بصفة عامة، تُتعِب النفس وتُهلك الروح، وبعدها يستسلم الجسد للمرض، فالعامل النفسي يؤثر بشكل كبير على المرض العضوي.

إذن توجد اختبارات كثيرة، وتجارب نعيشها، ربما أحيانا تسقطنا حتى القاع. السؤال هنا! كيف نتجاوزها بأقل الأضرار؟ كيف لا تتأثر صحتنا النفسية أمام تحدياتنا؟

طبعا كل موقف يختلف عن الآخر، لكن أهم مرحلة والتي لها دور كبير في الشفاء الذاتي والحفاظ على الصحية النفسية هي التعبير عما في دواخلنا. جاء في قاعدة جميلة: المشاعر التي دفنت حية تبقى حية إلى أن تتجلى في انفعال بألم شديد أو في مرض، فمن الخطر أن ندفن مشاعرنا في أعماقنا، يجب أن نعيشها ونبوح بها لمن نثق بهم طبعا ونعبر عنها بالبكاء ربما حتى تخرج وتتلاشى الطاقات السلبية المكتومة التي تنشأ عنها مشاكل نفسية عميقة.

التقبل والرضا، عندما تعود نفسك على مفهوم الأرزاق بيد الخالق، وكل شيء يحدث لك هو مقدر لك، وفيه خير لك، لأن الخالق يعلم ونحن لا نعلم، سيَمُنُّ الله عليك بقناعات نفسية تغنيك عما ألَمَّ بك. كل ما نعيشه مقدر ومكتوب في اللوح المحفوظ فعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة.” رواه مسلم.

حتى أننا في بعض الأحيان نستحق أن نعيش هذه المشاعر السلبية، حتى نراجع حساباتنا وتتضح لنا رؤية أشياء لربما لم نلاحظها من قبل، موقف تلو الآخر، وتجربة تلو أخرى تبني فينا ومنا أشخاصا لا تكسر قوتهم بسهولة، ولا تهزم أنفسهم في أول هبّة ريح.

وكما ذكرت في إحدى التدوينات، الروح مرتبطة بخالقها، فلا تطمئن وتتزن وترتاح إلا وهي على صلة به، حين يضيق صدرك وتبتلع الغصة وتعجز عن تفسير ما تعيشه، جرب أن تبوح لخالقك ففي أول السجدة، مجرد أن تضع جبينك على الأرض ستشعر بسكينة تتسلل إلى قلبك الصغير، حاشاه أن يجعلك تعيش الأحزان، حاشاه أن يرد دعاءك، حاشاه أن يرد قلبا باليقين ناداه، فهو الشافي، أنزل الداء والدواء. يخفف ألمنا ويشفي أمراضنا الروحية والنفسية والجسدية، والأعظم أنه يجزينا على صبرنا على الابتلاء.

سأختم باقتباس جميل ذكره الشيخ سلمان العودة في إحدى كتبه: “مناجاة الله ولو لثوان تمنحني طاقة هائلة لا تقدر بثمن، أجدها حين أحتاجها في المصائب والملمات، وفي مدارج الحياة العادية، وأجدها حين تواتيني فرصة للسعادة والهناء، فيهجم وحش كاسر من الخوف أو الذكرى، لينغص علي سعادتي، فأجد ربي يمنحني الحماية والرضا والعطف، ويمنحني الفرصة بعد الفرصة حتى أكون سعيدا”. حقق التناغم مع نفسك لتعيش السلام الداخلي، ولا تنس أن لنفسك عليك حقا.

1xbet casino siteleri bahis siteleri