وما تشاؤون إلا أن يشاء الله

عقد هي تكونت، إحباطات توالت، آمال تلاشت، وتفكير زائد ينهل عقولنا الصغيرة ويفتك بأجسادنا النحيلة كل ذلك ونحن متناسين جملة واحدة كفيلة بتغيير كل شيء، يقول تعالى في محكم آياته: {وما تشاؤون إلا أن يشاء الله}.

كثيرا ما يعتقد الإنسان بل ويظن كل الظن أن الحياة معادلة بسيطة مكونة من جمع طرفين للحصول على الثالث الموجب، يحسب أن العمل الجاد، المواظبة التامة، الإتقان والتفاني هي المفتاح للحصول على ما يريد، ذلك العمل المتواصل، المتعب أحيانا والمرهق أحيانا كثيرة هو الطريق الأمثل للعبور إلى ضفة النجاح وتسلق سلالم الفوز، يعلق جل الآمال، يرسم كل الخطط، ويهيئ جميع الاستراتيجيات حول هدف محدد صوب عينيه، فبعد الأخذ بالأسباب والعمل عليها، نحسم النتيجة ونغلق دفتر الحسابات منتظرين الرد الموعود.

فعلا، إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا، لكن في كثير من الأحيان تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، فبعد جهد مهول تأتي النتائج على عكس التوقعات وعند عدم الوصول إلى المبتغى، تتحطم أسوار الأمل المتألق ليبني جدار داخل قلب باليأس ممزق، فيلعن الإنسان الحظ، يظن أنه وحده في هذا المسير يعيش مع الحظ التعيس كما الأسير، بل قد يذهب بعيدا ليشكك في العدالة الإلهية رافضا ممانعا لهذا المصير، ففي عاصفة الأفكار، غالبا ما تهب رياح الشك، ونبدأ والعياذ بالله بمعارضة القدر والتشكيك في المصير.

حياتنا، ليست مجرد عملية حسابية هينة، إنما معادلة بعدة مجاهيل نعلم أقليتها وما خفي عنده عز وجل كان أعظم، كل شيء بحكمة الواحد القهار موجه، أحيانا قد لا نرى الشر الذي نركض خلفه جاهدين للتمسك به والحصول عليه ولا نعي مدى خطورة وضرر ما نسعى إليه إلا بعد فوات الأوان.

رب الكون العالم القادر بكل شيء حاشاه تعالى أن يرفض لنا دعاء عمدا أو يبعدنا عن أحلامنا قصدا، إنما لعلمه الواسع سبحانه بما يتخلل ذلك من مصاعب لن نقدر على مواجهتها أو ضرر لم نكن نعلم بوجوده من أصل.

يقول المتنبي ما كل ما يتمناه المرء يدركه، تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، وفي قوله هذا إحباط، تكثيف أيادٍ، واستسلام لذوي الفهم المحدود والعقول المغلقة والإيمان المتزعزع، من يحفظون دون فهم ويسلكون دون ثبات، وفيه تحفيز، دافع ومخرج طوارئ لمن يبحثون عن الحياة، الحياة التي يريدونها والتي يكونون فيها على قدر من القوة تمنحهم الثبات مهما كان حجم الاهتزاز.

لعلها خيرة، جملة ربطناها دائما بكتم الشعور الحقيقي، خيبة، فشل، يأس، سخط، عدم رضا أو أيا ما كان ذاك الشعور نحاول دائما تغطيته بجملة شوهنا مفهومها وغيرنا مجرى معناها، خيرة وفي كل الأمور خيرة ما دمنا تحت تدبير الخالق عز وجل، القبول بمعنى الرضا وليس الاستسلام هو المنفذ، الأداة، الطريقة الداخلية، العقلية والبرمجية في التعامل مع أحداث الحياة. يقول جبران خليل جبران: “اختر الرضا يهون عليك العبور”، فالرضا هو الوقت المستقطع بين شوطين في مباراة الحياة، هو إعادة شحن الطاقة وإعادة تقوية الإيمان بالله واللجوء إليه.

كلنا نمر بلحظات ضعف ووهن نظن أنه فيها انتهى كل شيء، وأحداث العالم كلها تتآمر علينا كي لا نصل أحلامنا ولا نعبر طريق النجاح، لكن في اللحظة التي تعتقد فيها اليرقة أن حياتها انتهت تبدأ الطيران. إليك أيها الطموح، إليك أيتها الشغوفة، وإلى كل ساع في هاته الحياة تعلق بقوله تعالى وما تشاؤون إلا أن يشاء الله، فإننا نسعى ونكد وإن كان لنا خيرا فيها فهي آتية لا محالة والحمد لله، وإن تخالفت طرقنا فالله عليم بالأسباب فشكر وامتنان وتقدير.

1xbet casino siteleri bahis siteleri