العمر ليس رقما!

في كل عام نحتفل بذكرى مولدنا، ليس شرطا أن يكون احتفالا علنيا، بل قد يكون احتفالا بيننا وبين أنفسنا نسترجع من خلاله شريط اللحظات التي مرت، ونعلم يقينا أننا نتقدم بالتدريج في العمر، ربما قد نكون في العشرين أو الثلاثين أو الأربعين أو الخمسين… فهي مجرد أرقام لا ترعب ولا تسبب حرجا. لكن ما يرعب هو السرعة التي تمضي بها الأيام والشهور والسنين دون أن نقوم بما نحبه وما ترتاح له أنفسنا، دون أن نستفيد من التجارب والأحداث التي مرت، وأننا ما زلنا نكرر نفس الأخطاء وربما بنفس الطريقة.

ما يرعب أن حياتنا أصبحت قائمة على سلسلة من التأجيلات؛ نؤجل فعل الخير، نؤجل الشكر، نؤجل الاعتذار، نؤجل الحب، نؤجل الاعتراف بالجميل، نؤجل الكلمة الطيبة…ما يرعب أننا قد نموت في أية لحظة ودون سابق إنذار، لا نعلم متى، ولا كيف، ولا أين ولا على أي حال…لكن، هل سنكون راضين عن أنفسنا وأعمالنا؟ 

ما يرعب هو أن يأخذ الإنسان معناه من شيء واحد، فإذا فقد هذا الشيء تاه الإنسان وفقد كله؛ فهناك من يربط معناه في الحياة بالوظيفة وجمع الأموال، وصنف آخر يأخذ معناه من رأي الناس فيه…فتخيلوا لو خسر الأول وظيفته وماله، وانقلب الناس على الثاني، فماذا سيحدث للمعنى هنا؟

ما يرعب أننا نربط سعادتنا بالأشياء المادية؛ إما بالمال أو الوظيفة أو السفر… في حين أن السعادة ليست هي المتعة، إنما الشعور بالرضا عن الحياة بكل ما فيها. ما يرعب أننا نسعى للحصول على كمال الأشياء، وذلك لن يتأتى مهما فعلنا، دوما ستكون الأشياء ناقصة ليست كما توقعناها وكما اشتهتها أنفسنا، لكن ما يكملها هو الرضا.

ما يرعب أننا أصبحنا أكثر ارتباطا بملذات الدنيا وتوافه الأمور، فالإنسان من ذلك كله يكفيه أن يكون مستقرا ماديا ومطمئنا نفسيا، وسليما جسديا، والأهم أن يسعى في فعل الخير وأن تكون حياته مرتبطة بهدف نبيل مبني على ترك أثر بعد الممات، أما كل ما سيجنيه من الأمور المادية سيتركها وراءه فهي ليست إلا متاع الدنيا وزينتها.

إن العمر الحقيقي ليس ذلك الرقم الذي يتغير كل سنة؛ نحتفل به ونحصل على هدايا وانتهى الأمر، بل هو الميزان الذي نزن به حياتنا لنكون أفضل نسخة مما مضى، نسخة واعية بالغاية التي لأجلها خلقت؛ تجتهد، تتعلم، تحب الخير وتسعى إليه، تستفيد من التجارب التي مرت، ولا تستسلم للسقوط لأنها تعلم أن أي عثرة في طريق الإنجاز والنجاح ليست سوى نور لتعاود النهوض من جديد…والأهم من ذلك كله هو أن ينقضي عمر الإنسان بترك أثر ليس شرطا أن يكون إنجازا عظيما…لكن قد يكون مساعدة شخص محتاج، أو حاجة تلبى بحب وسعادة، أو كلمة طيبة أو ابتسامة حانية في وجه أحدهم، أو حتى شربة ماء لحيوان عابر.

1xbet casino siteleri bahis siteleri