الفقر وقت المطر

مشهد يتكرر كل يوم، سيما مع قرب موسم الأمطار والبرد القارص…في مستعجلات المستشفى يأتيك رجل أو امرأة في الخمسينيات يستغيث، أرجوك اقبلني للاستشفاء أو تحت المراقبة بينما تمر هذه العاصفة، فاللحاف والركن الذي أبيت فيه مسه البلل أو التلف اقبلني بأي ذريعة سعال، قيء، ألم، محاولة انتحار، أي سبب وأي عنوان تجده مناسبا كي أحظى بالسقف الذي يحميني البلل، فالمستشفى وخاصة المستعجلات لا أمل فيها بالفراش أو الغطاء أو الطعام…السقف هو سقف طموحاته يحكي المسكين…

بعيدا عن الظروف التي أدت به لهذه الحال وعن وجود أسرته من عدمها وعن إدمانه الذي التهم رأس ماله ومدخراته، يظل المسكين بلا جواب لطلبه فالمستشفيات ملأى بالمرضى الذين يعانون الأمراض والحالات الطبية وقد لا يجدون الفراش والعناية فلا يمكن الاستجابة لطلبه ففي النهاية المستشفى ليس فندقا أو مؤسسة خيرية للمبيت، يكون الجواب القاطع عذرا لا يمكن!

تمر الأيام وتأتي الحراسة المقبلة حيث تجد نفس الشخص هذه المرة بعنوان مختلف “مريض” بوحدة المراقبة أو بعض الأحيان العناية المركزة بالتهاب رئوي حاد مع أزمة تنفسية قد تؤدي به للهلاك الحقيقي. لنفرض جدلا أنه مع المساعدة والتكفل بمصاريف علاجه يتجاوز المرض الحالي ليعود لوضعيته الأصلية في انتظار مرض أو بكتيريا جديدة تعصف بقدميه أو جهازه العصبي، ولا عجب في ذلك، فأعظم التطورات في تاريخ الطب كانت ولا تزال النظافة والماء الشروب وحسن التغذية…

هذه العوامل التي قللت بالأساس من تعرضنا للأمراض، فمن يبيت بالشارع هو في انتظار المرض إلا بحفظ الله وهذا المرض يعود بنا للأساس والأصل “الوقاية خير من العلاج” يظل العالم اليوم منكبا على سبل الوقاية من الأمراض ليس لاحتمالية الضرر الدائم الذي لا عافية منه، ولكن يقينا بأن تكلفة الوقاية أقل بمرات من تكلفة التشخيص والرعاية والعلاج، أليس الأجدى والأجدر والأكثر فعالية أن تكون مؤسسات التوعية الصحية ومؤسسات التكفل للأشخاص في وضعية هشاشة لتجنب المرض قبل حصوله؟

حين تأملي في مثل هذه الوضعيات الكثيرة المتكررة لدرجة أن هاته “الحالات تصبح معروفة للبواب ورجال الأمن وعاملات النظافة والطاقم الطبي والتمريضي والإداري والقسم الاقتصادي للمستشفى … يبدو لي دور الطبيب عبثا وعبيطا ومقصرا وفي نفس الآن، مدركا للمسؤولية الجماعية تجاه هؤلاء، فتجد عشرات المواقف مثل هاته يأتي طلبا للعون تبحث جاهدا عن سبب طبي وعن علة صحية تبرر إبقاءه تحت السقف أو رفض الطلب إلى حين المرض الحقيقي ومحاولة الشفاء والتعافي، لتعاد الكرة من جديد وكأننا نصب الماء في المجاري…

في حراسة المستعجلات ترى كل شيء؛ حوادث سير، كسور، مستعجلات طبية وأخرى جراحية، دراما مجتمعية مختلفة الأصناف كما نرى الفقر كعرض طبي يكاد يشبه المرض المزمن ذي النوبات الحادة المتكررة، وفي ظل عجزنا عن حل المرض المزمن ومسبباته رغم بعض المساعي والمحاولات نكتفي بعلاج النوبات الحادة؛ إذ إن هذه الأخيرة تستجدي تعاطفا وتفاعلا وتضامنا ماديا أكثر ربما مجموعه كان ليغني ويجنب صاحبنا على المدى البعيد من الحاجة لرؤية الطبيب من الأساس، وتظل الكثير من المواقف التي سنأتي على ذكرها خير دليل على المبدأ الراسخ “الوقاية خير شفاء!”

1xbet casino siteleri bahis siteleri