{إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ} [الليل: 4]، هكذا جاءت الآية الكريمة، لكل واحد منا في هذه الأرض طريق يسلكه، قد يتطابق مع ما كان يرسمه في مخيلته حين كان طفلا يرسم أحلامه، وقد يتنافى جزئيا، وهذا لا يعني الفشل في تحقيق الأحلام بل فقط تغييرا في المسار نحو ما هو أفضل، رغم أنه ظاهريا قد لا يبدو كذلك.
{وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى} [النجم: 39]، لكل إنسان مسار وسعي يخصه وحده، لم يخلق أحد منا ليحقق أحلام الآخرين أو ليشبههم، أو ليسير على نفس الدرب الذي سار عليه غيره؛ إذ لا توجد قاعدة أخلاقية أو فقهية تحدد سنا معينا لإنهاء الدراسة أو بداية العمل أو الزواج أو الإنجاب…كل يرسم طريقه.
كل ما أسلفت ذكره في الفقرتين الآنفتين يبقى نظريا صرفا؛ أما الواقع فشيء آخر، إذ إن الإنسان ينشأ في وسط قد لا يساعده على فهم ما ذكرته. من الأخطاء التربوية القاتلة التي ترتكبها الأسر هو السقوط في مقارنة الأبناء مع غيرهم من زملائهم أو أصدقائهم، فهي دون أن تشعر ترسم لهم مسارا وجب عليهم أن يسلكوه وإلا فذلك يعتبر فشلا، أضف إلى ذلك دور المجتمع الذي أصبحت له معايير تحدد الناجح والفاشل، دون الاستناد لأي مرجع معين…أخطر ما يمكن أن يسقط فيه المرء مع نفسه هو المقارنات.
في بعض الأحيان، قد لا يكون للأسرة دور في ذلك، فالشخص مع نفسه يدخل في مقارنات مع من هم في نفس عمره أو يتقاسم معهم شيئا مشتركا: مدرسة أو شعبة…، ويؤدي ذلك إلى توبيخ النفس على ما لم تكن مسؤولة عنه وعلى ما ليس ذنبها؛ فيبدأ جلد الذات الذي يتحول إلى أفكار انهزامية يتشبع بها المرء فتهوي به؛ إذ إن الشخص غالبا يجلس وحده في غرفته المظلمة ويستحضر سيناريوهات “لو” حدثت لكان الأمر مختلفا على ما هو عليه.
يمضي الناس في طريقهم الذي رسموه أو رسم لهم ويلبث أحدهم يجلد ذاته على ما قدمت يداه، فيجد نفسه داخل قوقعة لا يتقدم ولا يتعلم، بينما العالم يتقدم، وحتى ذلك البصيص من الأمل الذي ظل يتشبث به، تتلاشى خيوطه بسبب المقارنات السخيفة التي يسقط فيها فتتحطم آماله.
أنت تقوم بمقارنات لا أساس لها، فالمقارنات تكون بين من كانت لهم نفس الظروف حرفيا وهذا شبه مستحيل، فلست ذلك الشخص الآخر، ليست لك جيناته، ولم تترعرع في وسطه، ولم تمر من ظروفه… أنت مختلف عنه تماما فلا تقارن نفسك به. كم من شخص حصل على شهادة في سن مبكرة ولم يستغلها، وكم من شخص حصل على نفس الشهادة في سن أكبر منه بإرادة وعزيمة وتغيرت حياته…ليس هناك عمر محدد للدراسة؛ ولا لتحصيل الشهادات، ولا للزواج، ولا للإنجاب، ولا لتكوين شركتك الخاصة، ولا لتحقيق أحلامك… إنما هي أوهام تبنيها في باطنك فلا أنت تحقق أحلام الآخرين ولا أنت تمضي قدما؛ لا يهمك، فقط قف على ناصية حلمك وقاتل. أنت لست متقدما؛ ولا متأخرا، أنت تعيش الآن بالضبط المرحلة التي يجب أن تعيشها.