مرايا الفن

758

في كل شيء جميل فن من الفنون ولولا الفن لما وجدت فسحة الأمل ولما فتح باب الرجاء. لولاه لما قامت الدنيا ببديع خلقه جل وعلا! إنه الرحمة التي ألقاها الله في الأرض لينتفع بها المرء في أمور السلام والخير وتعارف الشعوب ونشر الثقافات. وهو اللمسة الساحرة والسر الرباني الذي يجعلك تتوه في روعة السماوات وعظمة الجبال وغموض البحار وانشراح الربيع ولطف النسيم.

في كل نغمة جميلة رهبة من أشياء كثيرة وهروب من عبق غريب يخالط القلب في تملك فريد! في كل كتاب قصة تشبهك أو موقف تعيشه. في مزيج الألوان جواب لسؤال أرهقك وفي كل طريق قد تجد للفن مرايا كثيرة؛ منها ما يفصح لك عن الخوف الساكن بأعماقك، وبعضها الآخر يفسح لك عن الجمال الذي يتلألأ بروحك ويشرق حولك. ومنها ما يجعلك تهرب من قسوة المادة فلا تستطيع القيود كبحك، ولا يمكن لك أن تحب هاته المرايا سوى إن كنت إنسانا يرحب بقلبه بالقدر الذي يحترم به عقله.

لا يمكن لك أن تدعي الفن وقد طغت عليك الشرور والآثام، والفن لن يكون هادفا إذا لم تستعن به على الارتقاء والسمو عن ثرثرة العالم أو لم تستطع به تهذيب الذوق والشعور.

لعل ذلك الأمر يجب أن يكون دافعا لهذا الجيل الذي استعبدته المادة من أجل نشر ثقافة الفن بين الأسر. فلا زلنا للأسف نجد في كثير من الأوساط والمجتمعات ما يشهد على تهميش الفنون وتصغيرها فلا تشغل ذلك الحيز الذي ينبغي لها أن تكون عليه. ويرى العديد بأن الفنون تلهي الطفل عن دراسته والراشد عن عمله ومسؤوليته وهو أمر غير صحيح على الإطلاق. قد نتج بالتأكيد من الآراء المسبقة التي ورثناها كما نرث لون الشعر وشكل العيون والقوام ونحن لا نسعى لتغييرها عن اقتناع تام! أجل ذلك ما يحدث بالفعل في كثير من الأحيان، لكن يجب أن نغير حقا من هاته النظرة التي تحمل في عمقها تصغيرا من شأن الفن!

إن من تجذبه الفنون قد يعيش صراعا من أجل البقاء وربما تكون تلك ضريبة لذلك السمو الجميل! فيحدث أن تنظر إلى الأمور من حولك بأكثر من قلب وربما تشعر بالآلام زيادة عن الحد. ذلك الحد الذي لا بد من وجوده كي لا يفقد الإنسان ثباته وكي لا يشعر بأنه كالمجنون أو يشعر بالضعف والهوان. ربما كان ذلك الحد سببا في انتحار كثير من عباقرة الفن؛ فبعد أن يقف الواحد منهم أمام نفسه عاريا من كل الأكاذيب التي نسجها من حوله كما تفعل العنكبوت، يحدث ذلك الحاجز بين الحلم والحقيقة فيحاول الفنان المرهف الارتقاء، لكنه حاجز قاتل بحق، نراه ولا نشعر به!

ذلك ما قد حدث مع العديد مثل الكاتبة “فرجينييا وولف” عندما قررت الانتحار غرقا بعد أن عانت من مرض ثنائي القطب ومع “بيتهوفن” عندما عانى من الاكتئاب لسنوات طويلة بالقدر الذي كان يعاني به محيطه بسبب غضبه الشديد ومع “سيلفيا بلاث” عندما جسدت الحزن في جل كتاباتها فقالت: “في مرحلة نضج عميقة تمنيت ألا أعي نصف مع أعي”. وقد انتهى بها هذا الوعي الزائد عن الحد إلى الانتحار هي الأخرى.

يمكن القول بأن عبقرية الفن صديق لطيف يمد لك يد العون لتعبر إلى الضفة المشرقة من الكون فتعبر بالفعل لتجد نفسك لا تشعر بالنور بعد ذلك فكل الظلام الذي قد هربت منه أمامك!

ليس على المرء أن يغرق في هذا العالم بالحد الذي يفقده رباطة جأشه، وليس عليه أن يكون كذلك من الذين قد قست قلوبهم جهلا أو من المتهكمين على لغة الآخر وألوانه ونغماته! ليس على المرء سوى أن يقف عند المحطة التي ينتهي عندها السوء ويبدأ منها الخير والحب! وليس عليه أن يخلق فنا لنفسه بالإجبار لأن الأشياء الجميلة بحق تأتي باللين. ليس عليك سوى أن تنظر حولك جيدا فلا تسقط!

1xbet casino siteleri bahis siteleri